أنا ابنُ الماءِ ..
لي ذاكرةٌ تغلي، حفرتُ ترابها الفوّارَ
حتى نزَّ منها الدمُ والذكرى ..
وأصغيتُ إلى الأنهارِ:
لا حبرٌ ..
ولا امرأةٌ ..
هتافٌ غامضٌ يعلو
يروغ النهرُ فظاً، مبهماً كالحلمِ، أو كالنومِ
ما من جرسٍ في الريحٍ يهديني
إلى أشلائها الغضّةِ..
هل في النهر، أوحوصلةِ الطيرِ
بقايا خصلةٍ، أو مقطع منها ؟
تقولُ الطيرُ: “كم مرّتْ أمام النبعِ حافيةً كمرآةٍ..”
أشمّ الريحَ: أشلاءٌ وهمهمةٌ ..
وفي مفتتح النصّ بقاياها
متى يكتمل الموسمُ؟ أو يلتئمُ الحلْمُ؟
متى تهطلُ من قيثاريَ المرضوضِ
أو تبزغُ من كفّيَ هاتينِ…
سروجٌ دونما خيلٍ
ونارٌ في فضاءٍ، ممطرٍ عُريانْ
حصىً يفِلقهُ الرعدُ ولا كمأةَ
ريحٌ صرْصرٌ تعوي، فتُقْفِرُ فجأةً أرضٌ
فلا لغةٌ، ولا غِزلان..
نساءٌ يتشمّمنَ الحصى والرعدَ
في أنهار أوروكَ، ينادين البداياتِ السحيقةَ:
غيمةٌ تعرى، وحبرٌ يتعالى الآنْ ..
يعلو الطيرُ أم يهبطُ ؟
نصٌ ضائعٌ في الريحِ
أم في شهوة النارِالتي تعصفُ بين اثنينِ..؟
من يطلقُ هذي الخيلَ من مربطها الطينيِّ:
أدنو، أعزلاً، ظمآن
من مفتتحِ الغابةِ ..أمضي في ركامِ الورقِ الذابلِ:
أمطارٌ، جذاذاتٌ ، رموزٌ، وقعُ أقدامٍ ، كناياتٌ ،
ورعدٌ يهبُ الكمأةَ للرعيان..
– لا تقلق “، تقول الطيرُ
-” قد تأتي القصيدةُ، هكذا ..
طوعاً، بلا ضوءٍ شحيحٍ .. دون صيادينَ..”
-” قد تقبلُ أنثاكَ ” تقول الطيرُ، “من أقصى أنوثتها “
وشبّ الضوءُ في لغةٍ مكبّلةٍ، وفاضَ النهرُ ..
والتفَّتْ أفاعي السهرِ الساطعِ كالنصّ
الذي لم يكتملْ بعدُ ..
وراح المطرُ الأسودُ يشتدُّ، ويشتدُّ ..
وما زالت شباكُ الصيدِ خرساءَ ..
متى يدفع هذا النهرُأنثايَ إلى قيثاريَ الموحشِ
أو يأتي بها الرعدُ ؟
وحين انكسرتْ شمسٌ على حجرٍ..
رأيت الخيلَ تمضي بي كحلْمٍ في اتجاه النهرِ
أعني في اتجاه ما: شباكٌ لم يزل يقطرُ
منها النومُ والذكرى ..
وثمّةَ في المدى امرأةٌ ستنهضُ ..
مقطع ينمو جريحاً ..
وبقايا نايْ..
أحقاً ثمّةَ امرأةً ؟ أحقاً ثمَّ صيادونَ ؟
أنثى النصّ كانت تلكَ
أم أنثايْ..؟