محـمـود درويـش… بنيـــة النــص وفتنة المجــــاز

 

القصيدة بين بلاغتـين

كثيراً ما تقتادنا رائحة المجاز إلى مكمن ذي طبيعة لغوية خاصة، حيث يكمن الشعر، وتتكاثف وسائله، وتزداد فتنته اتقاداً. هكذا كان المجاز صنو الشعر وقرينـه،  إنه بداية النار، أو شرارتها الأولى حين تندلع نحيلة متناثـرة بين حجرين يابسين. ومن جهة أخرى، قد نرى نصوصاً كثيرة لا يشكل المجاز عصبها الأساس، ومع ذلك فإن لها قدرتها الهائلة على التأثير، أعني على تجسيد موضوعها، أو الافصاح عن رؤياها الخاصة، بطريقة استثنائية إلى حدّ كبير.

فأين تقع شعرية القصيدة؟

في لغة المجاز والاستعارة والتشبيه، أم في مألوف القول؟ وبعبارة أخرى: هل يتحتم على لغة الشعر أن تكون بلاغية استعارية على الـدوام؟ أم أنها قد تخلو من أيّ استفزاز مجازي حــــــار وتــظـلّ،  مـــع ذلك، شـعرية بامتياز؟

ويصلح هذا الواقع مؤشراً على حقيقة شعرية لا مهرب منها؛ وهي أن الاغراق في المجاز، لا يكون الوسيلة الوحيدة للشعر، ولا يكون الترابط بين القصيدة والمجاز حاسماً ونهائياً على الدوام. إن اللغة المجازية قد تقع خارج منطقة الشعر، كما أن الشعر يمكن كتابته دون تعويل على الصور المجازية([i])، والفرق واضح بين الظاهرتين:

“فاللغـة المجازية هي ضرب من المخزون الكامن داخل اللغة، على حين أن اللغة الشـعرية هي بنـاء، واسـتخدام لهذه المـادة الخـام”

إن البلاغة، في النص الحديث، لا تحيل دائماً إلى ميراث بلاغي، مهيب ومكتمل البناء، بل تتجاوز هذا الميراث الصلب، والزائد عن الحاجة أحياناً إلى فضاء بلاغي أكثر جدة: يلبي حاجة الكتابة الحديثة، ويلمُّ بطبيعتها السيّالة، المتحولة، أو العابرة لحواجز النوع. إن ما تشـتمل عليه هذه الكتابة، الآن، من جمال وقـّاد حيناً أو فوضى شـديدة الجاذبيـة حيناً آخـر يفيض عـن حوض البلاغة التقليدية، وتصنيفاتها المعهودة، ويدفـع بها بعيدا عن مراوغة النص الحديث، والدخـول بخـفـة وكفاءة، إلى مخبّآتـه الأسلوبية والمجازية.

وهكذا بدت البلاغة القديمـة عاجزة عن الانحناء لالتقاط تاجها وهو يتدحرج أمام تيارات التجديد؛ فالبنيويـة، مثـلاً، وجدت فيها “أطروحة مضـادة للأدب”([ii])، مثلما صار الأدب نفسه مضاداً للبلاغة. وبضربة واحدة، يختصـر رولان بارت شعرية الأدب، بعنصر واحد يجعله مساوياً للبلاغـة([iii]) هو اللغـة. وهكـذا تندفع البلاغة، بتصنيفها التقليدي، بعيـدا عن مختبـرات التحليل النصّـي الحديث، وقـد جاء ياكوبسـن، ليلقى على نعشها وردة التراب الأخيرة حين اختزل قوانينها وتصنيفاتها المعهـودة إلى النـص الأدبـي الذي ينطلق من تقاطعات اسـتعارية ونسـق كنائي([iv]).

البنيـة والمجـاز

تحـاول، هذه الدراسة، أن تتحدث عن بلاغة القصيدة الحديثة ممثلـة بالشـاعرمحمـود درويـش الذي يحظـى بأجماع نادرعلى رسـوخه وتجـدده. وسـيتم التـركيز على السنوات العشـر الأخيرة مـن تطـوره الشـعري، أعني السنوات الممتدة بين ديوانه (لماذا تركت الحصان وحيدا) 1995 وديوانه (كزهر اللوز أو أبعد) 2005. كمـا تحـاول،  أيضاً،  أن لا تأخـذ من البلاغة إلا ما يعينها على المضيّ في عملها دونما معوّقات. بعبارة أخرى، أن تتجنب المبالغة في جدل المفاهيم أو المصطلحات البلاغية أولاً، وأن تكتفي من كل ذلك، ثانيـاً، بما يعـزز النص، ويندفع به إلى أقصى ما يسـتطيع أداءه من جاذبية شعرية أو توتر دلالي. وإذا كان الجهد الذي يتوخّى تأجيـج اللغة أو مضاعفـة مكرها الجميل يحيلنا غالباً إلى سـلطة البلاغـة ومناطـق نفـوذها، فإن هذا الهـدف قد يؤديه النص، وبكفاءة عالية، دون وسـيلة بلاغيـة مباشـرة.

وإذا كانت البلاغة، في مجملها، مسعى يستهدف، من خلال المجاز والاستعارة والتشبيه، تلطيف القول، أو صقله، أو جعله في مرمى الحواس، فان بلاغـة النص الحديث تفارق هذا المسعى في بعـض مـن وجوهـه، وقد تتـلاقى معه في وجـوه أخرى؛ فهي تفارق الزينـة المفرطة، وغـزارة اللطائف، لتسـلط فعلهـا على إلهـاب النص وبناء رؤياه.

بلاغة القصيدة إذاً لا تعني تلبيتها لاشتراطات البلاغة القديمة دائما، مع أن ذلك لا يمنع من ملامسة البعض منها إن تطلب الأداء ذلك، وباستثناء هذا الداعي فإن لكل نص شعري بلاغته الخاصة، بلاغة لا تتحقق بشكل ملموس وحيّ إلا من خلال النص ذاته باعتباره كلاً ساطعاً، وجريئاً يتجاوز كيانه القاسي أولا، ويتجاوز الراسخ، والمقبول دون فحص أو مساءلة، من معايير وأعراف ثانياً.

وجـرأة النصّ الشعري ليسـت حماقة متصلة، أو تهديماً دائماً([v])، لا هـدف له إلا معارضـة السـائد، أو تكديـر اللغـة باسـتمرار. إنّ للنص حريتـه وله قيـوده أيضـاً، وبيـن هذيـن الشـرطيـن، تزدهـر شـرارته الفريـدة، التي لا تشـبه أيـة نار أخـرى، يوقدها أيّ نصّ آخـر ؛ فالنص، نقيض العـراء، أعني نقيض الذاكـرة الصافيـة حيث لا سـوابق، ولا أشـباه، ولا آثار للعـابرين الأفـذاذ، إنه الابـن العاق لهذه الذاكـرة التـي يحتاجها ويتمـرد عليهـا في الآن نفسـه وبالقـوة ذاتها. ومـن هذا العقـوق الجميـل والضـروري، يصنع النصّ أبوّتـه المشبعة بالحنان والقسـوة معـاً. ومن هـذا الجـدل المدهـش والمرير بين تعطشـه إلى الحرّيـة، وقيوده الباهظة تبزغ خصوصية النص، أعني لغته الفردية أو بلاغته الخاصة.

وهذه البلاغـة لا تأخـذ اتجاهاً واحداً، ولا تنهض مـن خزين الاستعارات والتشبيهات المعهودة، كما أن سجادتها اللغوية لا تستند إلى خيط واحد، يتكاثف بالتكرار أو يتوالد بإعـادة الإنتـاج، بل إن تلك السـجادة ملتقى لضجيـج الخيوط تـارة، ولعناقها الحار تارة أخرى، إنها ملتقـى للتضـادات، وللذوبان: الشعر والنثر، الخفوت والصراخ، التماسـك والتشـظي، الكناية والاستعارة، التنـافر والاندغام، الحركة والتأمل، السرد والغناء، انفتاح النص أو التفافه على ذاتـه.

إنها بلاغة من نمـط خاص، لا تنشأ مـن مكـون واحـد من هذه المكونـات، كما أنها لا تنشأ مـن ورودها متتابعـة أو متواليـة، بل تتفجـر من نقطـة ارتطام هذه العناصر ببعضها بعضاً، مـن تلك اللحظـة الفريـدة، لحظـة الاحتكاك والانفتاح والضـمّ، لحظـة التقـاء الشرر واشتباك المكونات، من ذلك كله يتشكل الجسد الأكبـر، أعنـي نسيج النص، أو بطانته اللغوية، والأسلوبية والإيحائيـة التي تمثـل، مجتمعـة، بلاغـتـه التي ينضـح بها تمـوّج النص، وخفقـانه الدائـم.

ولا يقع بعيـداً عن هذا الفهـم ما يقوله هنريـش بـليث من أن “كـل نـص هـو بشكل ما بلاغة..” ([vi]) أي أنـه يـمتلك “وظيفـة تأثيـريـة” وإذا سحبنا هـذه العبـارة خـارج هالتهـا التهـويليـة، فإنهـا تحمل قدراً عاليـا من الحقيقـة؛ لأن النـصّ، الآن، نظـام كلـي الانسجام وكلي التأثيـر، رغـم تنـوع مكوناته أو تنافـرها أحيانـاً، وهـو لا يحقق تأثيـره هـذا باسـتسلامه لفتنـة المجـاز، أو من جرعـات بلاغيـة جزئيـة تتـوزع هنـا أو هنـاك، بـل يحـقق ذلك كلـه باعتبـاره بنـاء لغويـاً كلـي الفاعليـة: تتحـول فيـه القصيدة إلـى بنيـة، والبلاغة إلـى لغـة.

جـدل الشـعر والنثـر

يـرى بعض النقاد([vii]) أن الشـعر انزيـاح عـن معيـار يتمثـل في أصـل هو النثـر، باعتباره منطقة نشـاط تواصلـي، بيضـاء وخاليـة من الوميـض تمامـا، لا تشـتغل إلا في النافـع، والعملـي من الأنشـطة،  ويذهـب كوهيـن إلى حكـم أكثر صرامة حين يضـع “الإيحائيـة” و”المطابقـة” معياريـن تتحدد بموجبهما طبيعـة الشـعر، أو طبيعـة النثـر([viii]):

“للشـعر نقيضـان: الأول هو النثـر الذي ينقاد لقانـون المطابقة. والثانـي هو غيـر المعقول الـذي يتـمـرد علـى الاثنيـن معـاً”

أي أن النثر، بحسب كوهين، لا يتولد عنه إلا التطابق مع الخارج أو الواقعية البرانية: يتماثل معها، أو يحاكيهـا محاكـاة تامة. أمـا اللامعقـول من النصـوص، فهو الذي يعجز عـن تلبيــة أيّ من هذين المعياريـن: العجز عن المطابقــة، والعجــز عن الاتيان بالقول المعقول، ويخلص مـن ذلك إلـى “الضـرورة المزدوجـة” التـي تستجيب لهـا الجملـة الشـعريـة، ويعنـي تمـردهـا علـى وظيفـة المطابقـة وانصياعهـا إلى الإيحائية.

غيـر أن وضـع الشـعر في مواجهـة مناقضة للنثـر، ليس موقفاً حكيماً على إطلاقه، فهو يأخذ كلاً منهما باعتباره مطلقا ثابتا أو معطى نهائيا. إن الشعر، مثلاً، حاضنة لمجموعة من المكونات اللغوية والدلاليـة، والإيقاعيـة، والمعرفيـة، لا تتجسـد إلا في بنية مخصوصة، حسية وفرديـة وقابلة للتأمـل والفحص. لذلك كان موقف كوهين هدفاً لكثير من الاعتراضات الجادة، فالشعر، في حقيقته، ليس نقيضـاً للنثـر بل نقيضاً للا شـعر. إنهما، كليهما، معياريـان([ix])، أي أن طبيعتهما الانزاحية لا تكمن إلا في حضورهما التنظيمـي، في نسـق تعبيـري محـدد، حتى أن الشـعرية، لم تعد مقصـورة على الشـعر وحـده، بل صارت تتعلـق([x]):

“.. بالأدب كلـه سـواء أكـان منظومـاً أم لا، بل قـد تكـاد تكـون متعلقـة، على الخصـوص، بأعمـال نثريـة..”

وهكـذا وفي غمرة من تداخل الأجناس، وهجراتها المتشابكة، يتماهـى الشعر غالباً مع سـواه، ويغدو، في هذه الحالة، مجـرىً داخلياً حميماً، يتجسـد في “عالم من التوتـر القائم بين اللغة الاستعارية والكنائية ولغة التقرير المباشر”([xi]).

 وهكذا أخذ الشـعر والنثر، كلاهما، ينزاحان عن ثوابتهما ليكتسـب كل منهما شيئاً من خصال الآخر: يتداخل الواقع مع المخيلة، والمنطق مع الحلم،  والوعي مع الحدس. ومن هذا التموّج الفائر، الكدر، تتولـد شـعرية أخرى. بكلمة ثانية لم يعـد الشعر، كما كان، لصيقا بحميميته الأولى: صافياً، ومتجانساً، ومكتفياً بذاته، لم يعد ابن الوحي، أو النقـاء الخالص، والتلقائيـة الكبرى؛ فليس هناك، اليوم، من يكتب بعفوية([xii] وليس “هنـاك فيمـا يبدو قصيدة شـعرية مائة في المائة”،  أن “كل كتابـة تتضمـن حدّاً أدنـى من الجهـد والإعداد”([xiii]).

وهذا الجهـد أو الإعداد، لا يعكـر بهاء الشـعر، ولا ينتهـك قداسـته الصافية، بل يمثـل دلالـة فخمة على ما يشـتمل عليه الشعر من مسـتوى أدائـي، أو فرادة في الانجـاز. ولذلك لا يبـدو يـوري لوتمن مبالغـا في ربطـه البارع بين الجهد المبذول أو التخطيط لكتابة القصيـدة  وبيـن قيمتهـا الفنيـة([xiv]):

“.. حيثما اقتنصنا في الكتابة الشعرية ما يشير إلـى تخطيـط مسـبق فإن بوسـعنا الحديث عـن قيمـة فنيـة لتلك الكتابــة..”

وربما كان محمود درويش مثلاً ناصعاً لهذه المزاوجة بين الموهبة والمهارة، بين التلقائية العاليـة والقصدية المحسوبة بعنايـة. إن ما يبدو على نصوصه، أحياناً، من انثيال جارف، أو عبث طفولـي بالكلمات أو معها، يخفي وراءه يقظة عميقة ووعياً في منتهى النشـاط.

الشـعر مفتـونا بذاتـه

إن قصيدة درويش، في الغالب، متوترة، وذكية، ومشوبة بطرب داخلي موجع. وأخطر جوانب هذا الذكـاء لا يتمثل في المسـتوى النصّـي، أعنـي ما يجسـده فعل شـعري بالـغ النضـج فقـط، بـل ما يكمـن وراء هذا الفعـل، يغذّيه ويتغـذى منـه ويلتحـم بـه ومعه: أعني الوعـي بالكتابـة الشعريـة وعيـاً نقديـاً، وإنسانيـاً.

ولذلك كله، يمكننا أن نتساءل: أكان محمود درويش يمهـد الطريق، وبكفاءة عالية، أمام عربات النقد العمياء؟ إن ذلك ليس هدفاً من أهدافه قطعا،ً لكنـه يظلّ إحدى النتائج المهمة لفائض وعيه وثقافته. والشيء الطريف أن درويش لا يفعل ذلك عبر نثره المدهش فقط، بل ومن خلال شعره أيضاًَ وبإلحاح مثير للانتباه، إن قصيـدتـه تتحــدث عــن نفسهــا، أي أنهـا،  أحياناً، ميتاقصيدة،  تشرح عملها أو جدواها، تتحدث عن مفاهيم كالبلاغة، والاستعارة، والمجاز، وتفضح مكمن الفتنة، أو مثار العجب في لعبتها الشيقة وبالغة التعقيـد في الوقت ذاته.

إن القصيدة حين تنصـرف عن وصف الأشـياء والكائنات وحقائـق الوجود فإنها تلامس أفقاً آخر تغدو فيه metapoetry، أعني شـعراً هو، في حقيقته، ما وراء الشـعر: يتحـدث عن فـن الكتابـة الشعريـة، عن وظيفـة الشـعر، وعن أسـراره وألاعيبه الخفيـة. وبذلك، فهو يفصـح عن افتتانـه بذاته إلى أقصى حدّ، لكنه يلقـي، في الوقت نفسـه، خيطاً من الضـوء يقود المتلقي إلى مكمن الحيـرة أو الفاعليـة في القصيـدة.

لقد شـهد الشـعر الأمريكي، والإنجليزي، مثلاً، هــــذا النمط

من القصـائد الشارحـة، التي تتحدثّ عن شـمائلها أو دورهـا في الحياة. وربمـا كانت قصيدة الشـاعر الأمريكي ارشـيبالد ماكلـيش (فـن الشـعر) ([xv]) أكثـر هذه النماذج شـهرة، خاصـة بخاتمتهـا الفياضـة بالجمـال والدقـة:

ليس على القصيدة أن تعني بل أن تكون A Poem should not mean But be

ولا أظن أن تاريخنا الشـعري قد عـرف شـعراً يلتفـت إلى ذاتـه، ويصـف نشـاطه أو لعبتـه كمـا يفعـل شـعر درويـش، وفي هـذه الحقبـة تحـديـداً.

بكلمـات أخـرى، القصيـدة لدى درويش لا تتأمل مفاتنهـا، ولا تنشـغل بخصالهـا بفيض من الانبهـار دائمـاً، بل تصبح أحياناً موضوعـاً لذاتهـا هـي، أو دالاً مـن دوالهـا المركزيـة، أو ركيـزة من ركائـزها السـردية، المولـدة للذرى المؤلمـة تـارة، وللانفـراج العميـق تـارة أخـرى:

– وليس على الشعر من حرجٍ

 إنْ تلعثم في سرده وانتبهْ

 إلى خلل في الشبهْ !([xvi])

– هل كتبتَ قصيدةً؟

كلا!

لعلّ هناك ملحاً زائداً أو ناقصاً

في المفردات. لعلّ حادثة اخلّت بالتوازن

في معادلة الظلال. لعلّ نسراً

مات في أعلى الجبال. لعلّ أرضَ

الرمز خفّت في الكناية فاستباحتها

الرياح. لعلّها ثقلت على ريش الخيال.

لعلّ قلبك لم يفكر جيداً، ولعلّ

فكرك لم يحسّ بما يرجّك. فالقصيدةُ،

زوجة الغد وابنة الماضي، تخيّم في

مكان غامضٍ بين الكتابة والكلامِ

فهل كتبت قصيدةً؟ ([xvii])

ربما تصلح هذه القصيدة ذات الاندفاع العجيب أن تكون خريطة شعرية، أو دليلاً للكتابة. إنها تجمع، في إهابها المتشابك، ما تناثر في قصائد كثيرة لمحمود درويش، أو ما توزع في حواراته، أو أحاديثه.

ليس فاعل التلفظ، أو منتج القول هنا واحداً، فالنص ينقسم على قائـلين اثنـين، إنه حوار، أو ما يشبه الحوار، بين ذاتين تتقاسمان، بدورهما، بناء الدلالة وشكلها أيضا. إن تكثيف الذوات، أو تعددها في النص أو انشطارها، عبر الحوار أو تقنية القرين، عنصر مهم في شعرية درويش في الغالب.

إضافة إلى ذلك فإن لغة القصيدة خلية من الثنائيات: غموض الكلمات ووضوحها، الواقعي والخيالي، زيادة الملح وقلته في المفردات، خفة الرمز وثقله. وتبلغ القصيدة ذروتها العالية في المقطع التالي، الذي يضيء الكثير من خيوط اللعبة الشعرية:

لعل قلبك لم يفكر جيداً، ولعلّ

فكرك لم يحسّ بما يرجّك، فالقصيدةُ

زوجة الغد وابنة الماضي، تخيّم في

مكان غامضٍ بين الكتابة والكلامِ

الشعر، هنا، يبتكر حقائقه البيولوجية الخاصة؛ حيث تتبادل الأعضاء وظائفها الأزلية: قلب يفكر، وفكر يحس: انفعال الفكرة، وفكرة العاطفة، الحقيقة الحارة، والانفعال المحسوب، انها ثنائية جديدة تضمن فيها القصيدة فوضاها وحكمتها معاً.

وتنتقل القصيدة، بعد ذلك، إلى مكان آخر، تتوسط مجرى الزمان وجيشانه؛ فهي ابنة الماضي، من جهة، وزوجة المستقبل من جهة أخرى. تتحدر إلينا من جلال التراث، أو وعورته: عذراء، متأججة، دون جرح، لتكون، بعد ذلك وبين يَدي شاعرها، حصة لزمن قادم، هو أعمق من زمن الشاعر وأكثر خلوداً منه، وبذلك تكون ملتقى لقراء غائبين، ومفاجآت تتجدد دائماً.

  1. وثمة لفتة شديدة البراعة يصف فيها الشاعر المكان الذي تخيم فيه قصيدته ؛ مكان غامض بين ثنائية جديدة، يخرج بنا من ثنائية الماضي والمستقبل، ليدخلنا إلى ثنائية من نمط أخر هي ثنائية الكتابة والكلام. وقد نظن، للوهلة الأولى، أن الشاعر ربما كتب هذه العبارة مدفوعاً بهاجس لغوي محض، أو لذة العبث البريء. لكننا، نكتشف أن وراء هذه الجملة ذخيرة معرفية حية وأن هناك فرقاً كبيراً بين هذين المفهومين: الكتابة والكلام، فما معنى أن تأخذ القصيدة مكانها بين الكتابة والكلام؟

إن الكتابة، كما يرى رولان بارت([xviii])، تحيل إلى الوظيفة الاجتماعية،  فهـي “اللغة الأدبية التي تمّ تحويلها من قبل مصيرها الاجتماعي” إما الكلام فيمثل سلوك الفرد، بتوهجه الجسدي والنفسي والصوتي، وكأن الشاعر، في هذه العبارة، يضع قصيدته في تماس عميق بين الكلام والكتابـة، وهو تماس يجسد، بمعنى من المعاني، تماساً بين الفـردي والاجتماعي، وبين الشفاهي والمكتوب.

إن مفردة الماضي، هنا، لها ثقل خاص، فهي تفيدنا كثيراً لنحدد بدقة أكبر، ربما،  قضية الكتابة الشعرية عند درويش. القصيدة لديه “ابنة الماضي”، وهذا لا يعني تحدّرها من ذلك الميراث العصيّ على الغياب فقـط، بل يعني أيضا ذلك الماضي الشفاهي، فهي ابنة الجسد النابع من لذته أو حيرته أو جنونـه، الجسد العنيف الحار المرتبك، وهي ابنة الحواس المفتوحة على الشهوات كلها وعلى التوق كله.

وهكذا تأخذ “كلمة “الماضي” معناها، لأن شعر درويش يحفل بجمالية شفاهية أخاذة وانهمار صوتي وجسدي مدهش. لكن هذه الشفاهية تتصل، في الوقت ذاته، بالكتابة أيضا لتحقق مستوى من الجدل المقلـق بين ماضي الكلام، ومستقبل الكتابة، بين حرية القول، وما في الكتابـة من تقنيـن وتقنية، وعزلة، وصمت، وصنعة ([xix]).

الكتابـة،  إذن، منفى للشعر، كما يقول بول رومتور، لذلك فإنَّ الشعر يتوق دائـماً إلى الخروج من اللغـة بحثاً عـن الحضور المحض، أي الانثيال الشفاهي بكل جسديته، وحرارته، وتلقائيته بعيداً عن الكتـابة التي تحجب هذا التوق وتقمعه ([xx]).

لا تتأتى بلاغة القصيدة لدى درويش من جهة واحدة. أو من سلوك شعري واحد: متناغم؛ رخيّ، وخال من الالتواءات المفاجئة، بل تتأتـى من مكونات عديدة، وتعزيزات جمة. وربما كان الحوار بين النثر والشعر أهمُّ هذه التعزيزات.

ولا تتـمّ هذه المزاوجة بين الشعر والنثـر باعتبارهمـا جنسـين متباعدين: لكل منهما خصائصه التي تحصّنـه وتقـوّي عزلتـه عن الآخر ؛ فالنثر هنا توصيف لا يحيل إلى الجنس،  بل إلى سلوك اللغة وحيوية الأداء في النص نثـراً كان أم قصيدة، لذلك سيكون للنثر، أو النثريـة لدى درويش، هذا المعنى الخاص تحديداً. فالنثرية، المقصـودة هنا إذن لا تحيـل إلى النثـر باعتباره جنساً أدبياً، بل تحيل الى مستوى اللغة، في الشعر والنثر على حد سواء كما أشرت. أنها وصف للغة النص، وإشارة إلى مستوى جنونها، أو تفلّتها من المعايير، وقدرتها على الحاق الخيبة بتوقعاتنا، أو انتظارنا لما اعتدنا عليه من أنماط القول.

ودرويش حين يزاوج بين النثـري والشعري فإنـه يشتغل في منطقـة شعرية بالغة الخطورة، إنه يستثمر ما يفجره ذلك الحـوار النشط بين شعرية القصيدة ونثريتها، أعني بين توتـراتها المجـازية الرفيعة وهدوئها النثري، بين عرامتها وفتورها، بين إيماءاتها الخاطفة وانشغالها بالتفاصيل؛ فقصيدته لا تتحقق، في الغالب، إلا من خلال هذا الجدل القاسي بين حلم صاف ويقظة مهلكة، بين ذهنية الحِجاج وتفجّرات القلب، ومن ذلك كله يتأتى هـذا الإحكام الشديد الذي يتخفـى تحـت مـوج من التلقائية المتلاطمة. إن درويش ينجز نسيج قصيدتـه بـدراية فذة، لا تخلو ربما من إحساس عـال بالمجـازفـة وكأنـه يعبر، بمهارة مربكـة، على حبـل مشـدود بيـن شـاهقـين.

الشـاعر يكشـف عـن مسـلكه الشـعري

كثيرة هـي الإضاءات التي تكشـف بطريقـة باهـرة عـن المسلك الشـعــري لمحمـود درويش، وسأكتفـي،  هنـا،  بثلاثة أمثلـة أراها كافية  لتوضيح هـذه الفكرة:

1-أحب من الشعر عفوية النثر والصورة الخافيةْ  

بلا قمـر للبـلاغـة ([xxi]).

 

2-(إلـى الشـعر) حاصـر حصـاركْ

(إلـى النثـر) جـرّ البراهيـن مـن

معجـم الفقهـاء إلى واقـع دمّرتهُ

البراهيـنُ. واشـرح غبـاركْ

(إلى الشـعر والنثر) طيرا معاً

 كجناحَيْ سنونوّةٍ تحملان الربيع المباركْ([xxii])

 

3-” أحسـن الـكـلام مـا… قامـت

صورته بين نظـم كأنه نثر، ونثـر

كأنـه نظـم…”([xxiii])

تضيء هذه المقاطع الثلاثة مساراً شعرياً قد يكون مصدراً للالتباس بالنسبة للبعض. يفصح المقطع الأول عن افتتان الشاعر بتلقائية النثر التي ينتج عنها، بداهة، النفور من البلاغة الصارخة. وأنا سأتجاوز هذا المقطع لأتريث قليلاً عند المقطعين الآخرين، في المقطع الثاني إيماء شديد الدلالة على مكونات هذا المسلك: الشعر– النثر.

 على الشعر أن يتمرد على حصاره، أي إن يطلق العنان لقدراته الممكنة، وعلى النثر أن يترفّع على قدره أيضا؛ أن يكون الواقع الخرب، لا معاجم الفقهاء، مجال البرهنة على جدواه. ثم تتجمع هاتان القوتان معاً، لتكونا جناحين “يحملان الربيع المبارك”.

من الشيق أن نلتفت إلى فاعلية البيتين الأخيرين، في هذا المقطع، وما فيهما من كثافة دلالية ؛ فهما محصلة لما في الشعر والنثر مجتمعين من طاقة فياضة:

– الشعر والنثر،

– طيرا،

– كجناحيْ سنونوة،

– تحملان

إضـافـة إلى الخـروج من الأمـر إلى المضـارع، ومن التلقـي إلى المبـادرة.

وعلينا الالتفات أيضاً إلى ما في عبارة “الربيع المبارك” من شحنة زمانية وروحية،  وما توحي به من خصوبة مزدهرة.

إن درويش شاعر مسكون بالإيقاع دائماً، فهل وجد نفسه أمام هذه العبارة مدفوعاً بشـهوة الايقاع وسحره ؟ لا أظن ذلك، فهي شديدة الصلة، دلالة وبناء، بجـوارها اللغـوي، كما أنها شـديدة الارتباط بطائر السنونو تحديداً، لا لأنه طائر أثيري، وصغير ودافئ كالقلب، فهذه صفة للكثير من الطيور، بل لسبب آخر: أعني ما يحمله من ايحاءات واعتقادات روحية، كثيرة، فهو “دجاجة الله”([xxiv]) التي تغـري بالحب، وتهب الحكمة، وتحمي من الأذى، ولهذه الأسباب ربما فإن “جناحي السنونوة”، تمثل كما يبدو، صورة محفورة بعمق في وجدان الشاعر ومخيلته، يعيد أنتاجها في أكثر من ديوان:

-.. يا صاحبيَّ أقيما ولا تسـرعا

وناما على جانبيَّ كمثل جناحَيْ سنونوةٍ متعبةْ

(سرير الغريبة، 44)

– أين كنت إذاً؟ قال لي: كنت

أبحث عن حاضري في جناحَيْ سنونوةٍ

خائفة…

(لا تعتذر عما فعلت، 145)

  • أنا اثنان في واحدٍ

كجناحَيْ سنونوةٍ،

(كزهر اللوز أو أبعد، 185)

وعودة الى المقطـع الثانـي نلاحـظ أن العبارات المحصورة بيـن أقواس توحـي، للوهلة الأولـى، وكأنهـا اهـداءات؛ والإهداء بنية نثرية في العـادة، يقـع خارج النص دائمـاً. غيـر أنـه، هنـا، جزء من إيقـاع البيت ودلالتـه، وهـو يمـارس ايحـاء مزدوجـاً: يدخـل فضاء البيت الشـعري من جهـة، ويذكّـر، من جهة أخرى، بنسبه القديم كسلوك نثري، لكنه يظـل في الحـالتين، قوة إضافية فاعلـة. وهـكذا تبـدو القصيدة وكأنها تطبق على مسـتوى البناء ما تقترحه أو تـدعو إليـه دلاليـاً.

 وعليّ، بعد ذلك، أن أتريث عند عبارة أبي حيان التوحيدي فهي بالغة الدلالة وجديرة بالتأمل حقاً، لأنها تشكل نصاً موازياً، يضئ طريقنا إلى قصائد درويش ويجعل سعينا إلى الانخراط في أجوائها أكثر جـدوى، علينا ونحن نتأمـل عبارة التوحيدي أن نلتفت إلى ظرف المكان “بين ” وإلى أداة التشبية “كأن” لأن لهما دلالة ذات ثقل خاص في هذا السياق، إن أحسن الكلام أو أجمله، كما يرى التوحيدي، لا يمكن تحصيله من الشعر خالصاً، ولا من النثر بمفرده، بل من مسـتوى آخر من الكتابة يبدو فيها الكـلام “وكأنه” يندلع في مسـافة ما تقـع “بين” الشـعر والنثر، وبذلك فالتوحيدي لا يدعو إلى تطابقهما، أو إلى استبدال كل منهما بالآخر.

إن ما يدعو إليه محمود درويش أمر مختلف تماماً: انه تكامل الحيوية ومقايضة الخصائـص بأضدادها. وفي هذه النقطة تبدو أداة التشـبية “كأن” هامة جداً ؛ فهـي الشـغاف الصافي، والأنيق الذي يجمع طرفي التشبية من جهة، ويجعل شملهما عصياً على التطابق من جهة أخرى، وهكذا يظل الشعر شعراً والنثر نثرا، غير أنهما وبلمسة بلاغية خادعة يندفعان باتجاه فاعلية جديدة.

الأمر الآخر الذي يستحق الانتباه في عبارة التوحيدي، أنها تمثل نقطة دالة في إفصاح درويش عن سلوكه الشعري هذا. كان ذلك الافصاح يتنامى، متناثراً، وجزئيا من البيت، إلى المقطع، إلى القصيدة كاملة، ومـن التشبيه أو الاستعارة، أو الكناية، إلى الصورة، أما الآن فإن الشاعر لا يفصح عن سلوكه  هـذا،  في حدود القصيدة وأجوائها المعبأة بالضباب ومتاهات التأويل. بل من خلال النثر، وقدرته على التحديد الحاسم،  كما أن الوجه الآخر الذي تمثله هذه النقلة هو خروج الشاعر من ذاته، وإطلالته على الآخر، فالعبارة التي تتصدر ديوانه ليست شعراً، بل نثراً، وليست له هـو بل لأبي حيان التوحيدي. إن النثر يكبر، ويفيض، ويزدحم،  ويهدم محدوديته، كما أن القول الشعري المحض يبدأ في مراوغتنا منفلتاً من فضائه الصافي، والموغل في التجانس.

شـعرية الانزيـاح

تُنبّـه الجملة الشعـرية إلى ذاتـها بطرق شتى:  إيقاعية، صوتية، تركيبيـة، بلاغية. وتبعث إلينا رسلها متخفـين أو ساطعـين، لكنهم في جميـع الحالات يظلون رسلاً يتوهجـون بالاثارة أواللطف. هكـذا كانت النظـرة إلى الشعـر ومازالت كذلك إلى حـد كبير، غير أن الجملة الشعـرية تفاجئ نفسهـا في منتصف الطريـق أحيانا. وهذه المفاجـأة، أو هذا الانزياح([xxv]) عن مألـوف القـول، أو مألوف الدلالة هو الذي يشـعل حيوية الجملة، ويعيد إليها قدرتها الكامنة، بعـد أن قطعت شوطاً مـن الطـريق الى المتلقي خافتـة، مسترخية. لنتأمل ما يأتـي:([xxvi])

من حسن حظك أنك اخترت الزراعة مهنةًً

من حسن حظك أنك اخترت البساتينً

القريبة من حدود………..

لا تثير فينا هذه الأسطـر الثلاثـة رجفـة ما؛ اننا نتلقاهـا، أو نستهلكها كما نستهلك وجبة جاهزة، فهي أسطـر عاديـة لا تبعث في الجسد أو الروح أو المخيلة، قشعـريرة، أو بشاشـة أو ذكـرى، فالبيت الثاني تعميق لنثرية البيت الأول وتنويع عليه، أو هو امتداد لما يقترحه أو يوحي به. لكن هناك شرارة كامنة في الطريق، فالبساتين “قريبة من حدود…” ولكن أية حدود؟ حدود المدينة أم النهر، أم الشارع ؟ إن هذه الاحتمالات جميعها لا تخاطب فينا إلا حاسة المكان أو الجغرافية. لكن نهاية البيت تحرّك فينا أشياء كثيرة ؛ فتقدح شرارة المعنى ويضطرب جهاز التلقي اضطراباً منعشا:

من حسن حظك أنك اخترت البساتينَ

القريبة من حدود الله..

إن هذا الاضطراب انزياح عما تقترحه الحواس، ومعاكسة لما يحبّذه الارث الشحصيّ والعام من عادات التلقي. وهو لا يحدث إلا في بيئة تعبيرية محدودة، أعني حدود الجملة، أو البيت، فيرفع حرارة المعنى والتركيب معاً، حين ينتقل بهما من استرخائهما النثري، والخالي من المفاجآت. وهذا يحدث كثيراً لدى محمود درويش؛ يحدث في الجملة الواحدة، ويحدث في محيط أكبر وأعمق منها، كما أن هذه النسمة الشعرية قد تهبّ علينا من أية بقعة من بقاع النصّ.

ويكون هذا التلاحم بين نثرية الجملة وشعريتها في أقصى حيويته حين يفيض عن حدوده ليشمل مقطعاً شعرياً أو قصيدة كاملة. في القصيدة التالية، على سبيل المثال، ثمة شعرية لا تتولد عن أقمار بلاغية ساطعة، بل عن لغة شعرية وبناء بالغ الرهافة، يتجمع تأثيره البليغ في نهاية النص كما يتجمع غدير لامع:

1-  قالت الأمّ: في بادئ الأمر لم

افهم الأمرَ. قالوا: تزوّج منذُ

قليلٍ. فزغردتُ، ثم رقصتُ وغنّيتُ

حتى الهزيع الأخير من الليل، حيث     

مضى الساهرون ولم تبق إلا سلالُ

البنفسج حولي، تساءلت: أين العروسانِِ؟

قيل: هنالك فوق السماءِ ملاكانِ

يستكملانِ طقوس الزواج. فزغردتُ،

ثم رقصت وغنيت حتى أُصبتُ

بداء الشللْ

فمتى ينتهي، يا حبيبيَ، شهر العسلْ؟ ([xxvii])

تبدأ القصيدة بتدفق سردي يتدافع على لسان الأم، غير أن النصّ يخلو، أو يكاد، من أية ومضة استعارية أو صورة من صور المجاز: فالأم تنخرط في تلفظ إخباري متصل، دونما انزياحات، لكن دفئا ما، ذاتيا وجماعياً يدبّ في النص: يتمثل ذاتياً في تساؤل الأم مع نفسها أولاً، وجماعياً لأن الآخرين يسمعونه وينخرطون في الإجابة عنه. ثم ينثال بعد ذلك حرف النون بكثافة ايقاعية شجية: العروسان، ملاكان، تستكملان. يضاف إلى ذلك انهمار حروف اللين والمدّ التي عرقلت حركة الأبيات واثقلتها بالشجن البطئ. وسرعان ما تتلبس النص حركة أخرى بتأثير الأفعال الماضية:  زغردت، رقصتُ، غنّيتُ. الملاحظ، هنا، أن هذه المتوالية من الأفعال تحضر أمامنا، وبالترتيب نفسه للمرة الثانية، غير أن حضورها الأول كان نثرياً إلى حد واضح:

 فزغردتُ، ثمّ رقصتُ، وغنّيتُ حتى الهزيع الأخير من الليل.

إنه إخبار، تستغرقه المعلومة إلى نهايته تقريباً. لكنّ هذه الأفعال في المرة الثانية كانت عرضة لاختلال كبير:

 فزغردتُ، ثم رقصتُ، وغنيّتُ حتى أصبتُ بداء الشلل

 إن الحرف “حتى” في المثال الأول لم يكن يخفي وراءه مفاجأة ما؛ فعبارة “حتى الهزيع الأخير من الليل” شديدة الشيوع، أما في المثال الثاني، فقد فصل هذا الحرف بين المتوقع والمفاجئ؛ فالإصابة بالشلل بفعل الأفراط في الرقص والغناء، عبارة تحمل قدراً عالياً من التشويش والارباك لحقائق الحياة، وتخرج بالتعبير من النثرية الفاترة المتتابعة إلى التوتر، وبذلك يدخل هذا البيت، بعد أن دبّ فيه هذا الانتعاش المفاجئ، في بناء خاتمة شعرية عالية:

فزغردتُ،

ثم رقصتُ، وغنيتُ حتى أصبتُ

بداء الشللْ

فمتى ينتهي، يا حبيبيَ، شهر العسل؟

يجتمع شمل الأبيات، هنا، في إطار من التلهف الحار الذي تعمقه القافية ولوعة السؤال، وتستحثه حــرارة الـخـطـاب الـغنــائـــــي الفاجع الذي ينعطف، للمرة الأولى، إلى المخاطب المفرد المعذب.

وفي قصيدة (لم تأتِ)([xxviii]) تمتد الواقعة الشعرية في تموّج سردي متسارع، لغة تتخفف من زينتها إلى أقصى حد: لا مجاز كثيفاً، ولا قافية تؤجج سطوة النغم، غير أن هذه اللغة تنحصر بين فسحتين شعريتين: البداية والنهاية، حيث تتحدث الأنا الشعرية أو فاعل الحدث، عن انتظار خائب: لم تأت المرأة التي يحب، فيضطر إلى الغاء كل ما هيّأ لها في ذلك المساء الخاص:

لم تأت. قلتُ: ولن.. إذاً

سأعيد ترتيب المساء بما يليق بخيبتي

وغيابها

بعد هذه البـداية يتحـدث فاعل السـرد عن ردود أفعاله؛ لابـد له مـن أن يثـأر لمسـائه الجـريح، وكؤوسـه المهشـمة: أن يعيـد كلّ شـيء إلى أدراجـه، ويسـدل ستائره جميعاً، ويسخر مـن بعـض سـذاجاته:

غطيت مرآة الجدار بمعطفٍ كي لا أرى

إشعاع صورتها.. فاندمَ

قلت: أنسى ما اقتبست لها

من الغزل القديم، لأنها لا تستحقُّ

قصيدة حتى ولو مسروقةً..

ونسيتها، وأكلت وجبتيَ السريعة واقفاً

وقرأت فصلاً من كتابٍ مدرسيً

عن كواكبنا البعيدةْ

حتى هذه اللحظـة، تسـتمر القصيـدة في إنجاز شـعريتها الخاصة دون تعويـل كبير على لغة المجـاز، أو الصورة البلاغية من تشبيه أو استعارة. غير أن ثمـة هاجسـا ما يأخذ في التنامي: أيمكن لهذه القصيدة أن تنتهي على هذا النحو حقاً؟ إن حاجتنا إلى الإحساس بالنهاية أو الاسـتقرار كما تسـميه بربـارة هيرنشـتاين سميث([xxix])، ما تزال قائمـة، كما أن القافيـة، في البيت الأخيـر من المقطـع السـابق، تعمـق من توقعاتنـا، وحاجتنا إلى الارتواء؛ فهـي، هنا، نداء إيقاعي ودلالـي مقمـوع، ومنقطـع، إنه ينتظـر اكتمالـه في التقفيـة وفي الدلالـة أيضـاً. وهـذا لا يتحقـق، وببراعـة، إلا بالبيتيـن التالييـن:

وكتبت، كي أنسى إساءتها، قصيدةْ

هذي القصيدة!

وهكذا تكمل هذه النهاية العميقة للنصّ صرحاً دلاليـاً وموسيقيا مفاجئاً وشديد التماسك، وتجد القوافي مكانها الفاعل في النسيج النغمي والدلالي أيضاً. إن الشـاعر يعـد العـدة لا لنسـيان المـرأة بل لنسـيان إساءتهـا؛ وهـذه العبارة تشد أواصر البيتيـن الأخيريـن إلى البيت المتقـدم عليهما؛ لقد غدرت هـذه المرأة بقلبـه وها هي تبـدو، في بعدها القاسي، وكأنها واحد من “كواكبنـا البعيـدة”. ثـمَّ يحدث التحـول المفاجـئ حين تلتفـت القصيدة وبحـركة ماكـرة إلى ذاتهـا، وتصبح مركز إشعاع خاص: تتخلى عـن دورها في إنجـاز فعل السرد أو تتجاوزه، أعني تصبح فاعلاً من فواعل الدلالة، أو دالا من دوالّهـا، وكأنهـا تنقلب، في النهايـة، على ذاتهـا، انقلابـاً يعبـر بهـا من الشـعر إلى مـا وراء الشـعر:.Metapoetry

تهدئـة الاندفـاع الموسـيقي

يبذل محمود درويش جهـداً تنظيمياً هائلاً في بناء قصيدته بناء يكاد يتكشـف، لولا غزارة موهبته، عن قصدية واضحة. والشيق أنه، وفي كثير من قصائده يقوم بمحاولة للحد من هذه الإيقاعية المنهمـرة، وكسر اندفاعها. ولتحقيـق هذا الغـرض الفني يلجأ إلى مضـادات كثيرة لتهدئة هذا الطوفان أو تطويعه.

يكون ترويض التدفق الشـعري هدفا أمـام درويش على الـدوام، فهو لا يتـرك نفسـه على سـجيتها في الاستسلام لتلقائية اللحظة الشـعرية أو الانقيـاد لفتنـة القصيدة، بل يحاول تكديـر هذا الصفاء بوسائل شتى: عرقلـة الانسياب الموسيقي، مراوغـة القافيـة، الاكثار من الحوار وتقاطعاته، مجافاة الرشاقة اللغـوية أو تخـديشها أحياناً، اعتماد اللهجة الساخرة، الاقتـراب من منطق النثـر وذهنيتـه حيناً ومن ليـونته أو خلـوّه من المساحيق حيناً آخـر، في المقطع التالي من قصيدة (كنت أحـب الشـتاء)، يقاوم الشاعر ذلك التدافع الموسيقي أو يهدئه:

– كنت في ما مضى أنحني للشتاء احتراماً،

وأصغي إلى جسدي. مطر مطرٌ كرسالةِ

حبّ تسيل إباحيةً من مجون السماء.

شتاءٌ. نداءٌ صدى جائع لاحتضان النساء

هواءٌ يُرى من بعيد على فرس تحملُ

الغيمَ.. بيضاءَ بيضاءَ. كنت أحبّ

الشتاء، وأمشي إلى موعدي فرحا

مرحا في الفضاء المبلّل بالماء. كانت

فتاتي تنشّف شعري القصيرَ بشعر طويلٍ

تزعزعَ في القمح والكستناء. ولا تكتفي

بالغناء: أنا والشتاء نحبّك، فابق

إذاً معـنـا!([xxx])

قد نظن للوهلة الأولى أن قصائد الشاعر مأخوذة بالموسـيقى، بشكل مطلق، غير أن الأمر ليس كذلك، إن قصيدته منقوعـة بالموسيقى ومقاومة لها في الوقت نفسه، تندفع الموسيقى في عروق النص بقسوة محببة، لكنـها لا تظلّ كذلك حتى النهاية؛ فالشاعر يتربص بهذه العاصفـة لتظلّ داخلية دائماً، أيّ لتتحول إلى إيقاع داخليّ، أو قافيـة متخفّية داخل السطر.

إن الإيـقاع، في هذا المقطع، غليـان داخلي، وارف  وبالـغ الطـراوة. وهو لا يفصـح عن نفسـه في حـروف الليـن أو كتلـة الكلمـة، أو تماثلهـا الصرفـي مع سـواها، ولا يتجسـد في مقاومـة الشـاعر للـوزن الهائـج المندفـع، أو إعثـاره وتليين حـوافـه الصلـدة، بل يكمـن أيضـاً في مسـعى آخـر لا يكـفّ محمـود درويـش عن معاودتـه في نتاجـه الشـعري في السنوات الأخيرة بشكل خاص.

ويكشف هـذا المقطع أيضاً عن مراوغة الشاعر للقافيـة، والحد من شحنتها التطريبيـة. إن فيه أكثـر من قافيـة ممكنـة لكنها جاءت مخبّأة، داخل السطر، وكأنّها شرفات من النغم الداخلـي: ظليلة، وغائمة. إن الكثير من الكلمـات هنـا يمكنهـا أن تؤدي وظيفـة القافيـة، لكنها قافيـة لا تتـدلى من طـرف البيت كالثمـرة، بل تضـئ هناك، في مكـان ما من السطر الشعري، منـزاحـة عن مكانهـا المعهـود: تكمـن للقارئ لتراوغ توقعاته وتجعل من حنينـه الخائـب إلى الأرتـواء مبعـث لذته الكبرى. كثيـرة هي الكلمـات التي يمثل كل منهـا قافيـة ممكنة: الشتاء، السماء. الشتاء، النداء، النساء، هواء، الشتاء، الفضاء، الماء الكستناء، الغناء، الشتاء.

وباسـتثناء كلمتين اثنتين، السماء. النساء، انزاحت الكلمـات الأخـرى جميعـاً إلى داخل الأبيـات، وكأن الشـاعر أراد أن يجعل إشـعاعها الصوتـي أكثـر خفوتـاً، والطريف أيضا أن هذه الكلمـات، باسـتثناء أربـع منها فقـط، جـاءت بنهـايات سـائبة، أعني لـم يُحـرَّك حرفها الأخيـر، وهو الهمـزة. وهـكذا ظلت كل كلمة تنشـط في فضـاءين متلامسـين، أي أن كلاً منهما قادرة على العمـل في احتمالـين إيقاعـيـين لا ممكن واحد: يمكن مثلاً تحريك آخر الكلمـة لتندرج فـي عملية القراءة المتواصلة، كما يمكن تسكين الحرف الأخير لكل منهـا، لتكون قافية، أو وقفة تسـهم في تمـوج الإيقاع والدلالة في النصّ.

هذا السلوك يضع القافية في فضاء حرّ، يجعـل منها إمكانية لا اضطراراً: تقرّب القصيدة من سيولة النثر وتدفقـه المرن، التلقائـي من جهـة، وتعيدها إلى دفء الايقاع وثرائه من جهة أخرى. وهكذا نجد أنفسنا أمام بقعة يختلط فيها التوهج بالنثرية، وتمرّ بنا القافية خافتة مثلما الطيف في مرآة مضببّة.

 وفي أحيان أخـــــرى يذهـــب محمـود درويش إلى إخــمـــــاد جـذوة القافية بطريقة مختلفـة، حين يسلك إزاءها سلوكاً متناقضا:

– الأرض مثل الثوب منسوجةٌ

 بإبرة السمّاق في حلمهِ

 المكسور… جدّي هبَّ من نومهِ

 كي يجمع الأعشاب من كرمهِ

 المطمور تحت الشارع الأسودْ… ([xxxi])

الشاعر، هنا، يؤجج سطوة القافية من جهة، ويحاول مقاومتها من جهة أخرى. إن اهتمامه بالقافية في هذا المقطع شديدة الوضوح: وكان يمكن لذلك أن يؤدي الى زيادة الغليان الغنائي، لكن الشاعر يحاول الوصول إلى فتور نثري يخفف من تركاض الأبيات وتدافعها. فيربط القافية بالشطر الذي يليها، من الواضح أن الكلمات: حلمه، نومه، كرمه، هي مكمن القافية.

وتمشياً مع منهجه في تهدئة هذه الفورة الغنائية والتشويش على صوت القافية قام الشاعر بشدّ الكلمتين: حلمه، كرمه، تحديداً، إلى الصفة التي تلي كلاً منهما. وهكذا جعلنا أمام قراءة مقصودة، ُنضطر فيها إلى عدم الوقوف عند قافية البيت، بل العبور مسرعين إلى الصفة التي يبدأ بها البيت التالي. وهنا، تهدأ الشحنة الصوتية للقافية دون أن يتلاشى شكلها الكتابي، أي أنها تتحول إلى قافية مرئية لا سمعية: تستدرج حاسة البصر لا حاسة السمع.

ولعرقلة موسيقى القصيدة، يلجأ محمود درويش أحياناً إلى الكلمات الأجنبية: المدن، الحضارات، الكتب، أسماء العلم، الكلمات اليومية، الأرقام، المصطلحات. وبذلك لا يظل الاندفاع الموسيقي مطرداً أو متجانساً إلى النهاية:

– متران من هذا التراب سيكفيان الآن….

لي متر و75 سـنتمتراً.. ([xxxii])

يجد الوقت للأغنيةْ:

في انتظاركِ، لا أستطيع انتظاركِ

لا أستطيع قراءة دوستويفسكي

ولا الاستماعَ إلى “أمّ كلثوم” أو “ماريا كالاس”

وغيرهما([xxxiii])

– في دار بابلو نيرودا، على شاطئ

الباسفيك، تذكّرْتُ يانيس ريتسوسَ،

كانت أثينا ترحّب بالقادمين من البحر،

في مسرح دائريّ مضاءٍ بصرخة ريتسوسَ:

“آه فلسطينُ،

يا اسم الترابِ،

ويا اسم السماءِ،

ستنتصرين…”([xxxiv])

إن هذه الكلمات تنهض بدور تطهيري مضاد للموسيقى المنهمرة، وفي هذا الفعل اقتراب من نثرية مشتهاة: ثمة تهدئة للصخب، والتقاط للنفس، ومقاومة للتيار اللاهث في الايقاع. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن هذا التطهير يتجه إلى لغة النص، يشدّها إلى التراب والجمر والخشونة, ويكسر ما فيها من تعالٍ ممكن على الحياة، والتحاق بالمجرد، والأثيري، الذي لا حياة فيه.

وهكـذا تقوم هـذه الكلمات بدور الشوائب التي تكـون الميـاه بفضلهـا أكثر هـدوءاً حسب تعبير تولستوي([xxxv]). إن ما فيها من خشونـة أو فظاظة، يدفـع بنا إلى إدراك التناغم، وملامسة الجمال بشكل أعمق، وكأنها النقيض الذي يحاور نقيضـه، ويجلـوه، ويزيـده نصاعـة، أو هـي التنـافر الذي يشكل البنية المضادة للصفاء. ومن هذا الجدل الحيّ، تولد شعرية النصّ أو بلاغته النشطة ؛ فنحــن،  بتعبير يوري لوتمـن:

” لا نشعــر بالبنيـة طــالما هــــي لا تقــارن

ببنية أخرى، ولا تتعرض لصدع في نظامها،

لأن هــذين الأمــرين وحـدهمـا همــا وسيلتا

تنشيط البنيـة الفنيـة،  وفيهمــا سـر حيـــاة

 النص الأدبي”([xxxvi])

الهوامش:

 

[i] تزيفتيان تودوروف، الأدب والدلالة، ترجمة: د. محمد نديم خشفة، مركز الانماء الحضاري، حلب 1996، ص114.

[ii] أوزالد ديكرو، جان ماري سشايفر، القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان، ترجمة: د. منذر عياشي، جامعة البحرين، 2003، ص239.

[iii] رولاند بارت، هسهسة اللغة، ترجمة: د. منذر عياشي، مركز الانماء الحضاري حلب، 1999، ص166.

[iv] القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان، 235.

[v] جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1986، ص193.

[vi] هنريش بليث، البلاغة والأسلوبية: نحو نموذج سيميائي لتحليل النص، ترجمة وتعليق: محمد العمري، أفريقيا الشرق، 1999، ص24.

[vii] جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، 15.

[viii] المصدر نفسه، 204.

[ix] كمال أبو ديب، في الشعرية، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1987، 58.

[x] تودوروف، الشعرية، ترجمة: شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، ط2، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1990، 24.

[xi] كمال أبو ديب، في الشعرية، 58.

[xii] جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، 22-23.

[xiii] جان كوهين، المصدر نفسه.

[xiv] يوري لوتمن، تحليل النصّ الشعري: مهاد نقدي، ترجمة: د. محمد أحمد فتوح، النادي الأدبي الثقافي، جدة، 999، 153.

[xv] The Penguin Book of American Verse, edit. By Geoffrey Moore, UK, 1979, p. 370.

[xvi] محمـود درويـش، كزهر اللوز أو أبعد، رياض الربس للكتب والنشر، بيروت، 2005، 38.

[xvii] محمود درويش، لا تعتذر عما فعلت، ط2، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت 2004، 96

[xviii] فإنسان جوف، رولان بارت والأدب، ترجمة محمد سويرتي، أفريقيا الشرق، 1994، 48.

[xix] بول زومتور، مدخل إلى الشعر الشفاهي، ترجمة: وليد الخشاب، دار شرقيات للنشر، القاهرة، 1999، 157-162.

[xx] المصدر السابق، 158-159.

[xxi] محمـود درويـش، سرير الغريبة، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 1999، 45.

[xxii] محمـود درويـش، حـالة حصار، ط2، رياض الريس للنشر، بيروت، 2002، 57.

[xxiii] محمود درويش، كزهر اللوز أو أبعد.

[xxiv] بيار كانافاجيـو، معجم الخرافات والمعتقـدات الشعبية في أوربـا، ترجمة: أحمد الطبال، المؤسـسة الجامعيـة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1993، 149.

[xxv] Jerem Hawthorn, A Glossary of Contemporary Literary Theory 25 Forth Edition, Arnold press, London, 2003 ,p 73.

[xxvi] محمود درويش، لاتعتذر عما فعلت، 45.

[xxvii] محمود درويش، حالة حصار، 46

[xxviii] محمود درويش، كزهر اللوز أو أبعد، 93 -95.

[xxix] Poetic Closure: A Study of How poems End, By: Barbara Herrnstein Smith, The University of Chicago press, Chicago, London, 1968, p.101.

[xxx] محمود درويش، كزهر اللوز أو أبعد، 59

[xxxi] محمود درويش، لماذا تركت الحصان وحيداً، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 1995، 73-74.

[xxxii] محمود درويش، جدارية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2000، 103

[xxxiii] محمود درويش، حالة حصار، 60.

[xxxiv] محمود درويش، لا تعتذر عما فعلت، 151.

[xxxv] يوري لوتمن، تحليل النص الشعري، 208.

[xxxvi] المصدر نفسه، 208.