طائر يتعثر بالضوء

مختارات

  • شمسٌ على آخر الشجرة
  • متعباً أدخلُ البيت
  • ما زال في الليل ما نشتهيه
  • بقيّةُّ السقف
  • خيطُ الكلام
  • راعٍ يتخيل بحراً
  • ليلٌ يمانيّ
  • تجاعيد شرسة
  • سألتها أن تقود الليل من يده

 

شمسٌ على آخر الشجرة

صعدا

ناصعَـينِ

الى آخرَ التلِّ ..

لم يجدا في انتظارهما

غيرَ ذكرى القطيعِ الذي رعياهُ ..

و ما كانَ من رفقةٍ

في زمانٍ مضى ..

أصْغَيا ..

ثَمَّ حُلْمٌ تلاحقُهُ جوقةٌ

من ذئابٍ ومن سَحَرَةْ ..

ثَمَّ شمسٌ تجفّ

رويداً ..

رويداً ..

على آخرِالشجرةْ ..

 

متعباً أدخلُ البيت

متعباً

أدخلُ البيتَ

أبحثُ دون طائلٍ عما يعينني على النومِ ..

لا نعاسٌ ينتظرني في السرير ..

لا ليلٌ يتمشّى حنوناً خارجَ النافذةْ ..

ليس إلاّ رجالٌ يشقّون ذاكرتي

بمخالبهم، ويهبطون على فراشي

بمظلاتٍ من الأسلاكِ الشائكة ..

ليس إلاّ أطفالٌ يرضعون من قيثارةٍ

بلغتْ سنّ اليأس ..

 

ما زال في الليل ما نشتهيه

لا تقومي الى النومِ. ما زالَ في الليلِ

ما نشتهيهِ، وما زالَ في القلبِ

ما لمْ نقُلْهُ. لنا قمرٌ

يترقّبُ جلستنا كلما مرَّ

حتى يُتِمَّ نميمتَهُ للرعاةِ الوحيدينَ..

وفي الليلِ ينمو حنانُ يديكِ

و ينضجُ يُتْمي الذي

لا ارتواءَ لهُ ..

يتنامى حنيني الى ما مضى ..

يتكسَّرُ في لغتي قوسُ لهفتِها

ويفجّرُ فيها النقيضُ

النقيضَ:

الرذاذُ وجمرُ الغضا ..

*

كم وددْتُ لو أنِّيَ

بُحْتُ بما لمْ يقلْهُ أحدْ ..

غيرَ أنكِ عوَّدْتني أن تقولي الذي لم أقلْهُ

وكنتِ البليغةَ، قُمْتِ الى ليلنا الوثنيِّ

وقطَّرْتِهِ في أباريقَ من فضَّةٍ

و الوسائدُ مشغولةٌ بالشذى عارياً

وحفيفِ القصبْ ..

ثم أحضرتِ  ما لذَّ من زمنِ الوصلِ ..

ما طابَ من شهَواتِ مخيَّلةٍ

لا تخومَ لها ..

ثُمّ ما يُشتهَى

من سلالِ التعبْ ..

*

  بقيّةُّ السقف

بقيةُ السقفِ أنا

بقيةُ القبائلِ الرُّحّلِ

بل بقيةٌ من عرقِ الأيدي

على الأبوابْ ..

*

شرّقتُ

بل غرّبتُ ..

حتى مطلعِ الوحشةِ

حتى آخرِ المعنى

وحتى ابتلعَ الحوتُ أناشيـديَ ..

سيّانَ  فلا سعادةُ الوهْـمِ

ولا تلفّتُ المُرْتابْ ..

وها أنا أهوي

على قصيدتي بالفأسِ ..

يا أيتها الناقةُ كم أنهكنا الحنينُ

كم أضاءنا الترحالُ ..

لا ذهابُنا من ذهبٍ كانَ

ولا الإيابْ ..

وفجأةً

أفيقُ من سَكْرتيَ الكبرى ..

أذلكم أنا ؟ أم ذلكم

صوتُ ارتطامِ الليلِ

بالأكوابْ ؟

 

خيطُ الكلام

مضوا ندامايَ عنّي ..

ليس من حطبٍ

يُعينُ ناري على النسيانِ ..

كيفَ مضوا؟

أفجأةً خرجوا من دفءِ

ذاكرتي وخلّفوني وحيداً؟

لا يشاركني قصيدتي غير نَسْرٍ

كم هتفتُ به لكي يطيرَ

فلا يقوى ..

هتفتُ به لكي يحطَّ

فلا يرضى ..

أذاك أنا

يذوبُ في يدهِ خيطُ الكلامِ؟

ولا يرى طريقاً الى المعنى

سوى لغةٍ بيضاءَ غائمةٍ .. ؟

 

راعٍ يتخيل بحراً

يضربُ البردَ بعصاهُ الغليظةِ ..

ثم يهشِّمُ بها بقيةً من ضوءٍ خافت

وينشره على موقدٍ في الرمقِ الأخير ..

مصغياً الى قواربَ بعيدةٍ

تهبطُ الى القاعِ

ببطءٍ

مهلك :

تاركةً عويلَ الأمّهاتِ

على الموجِ..

وأطفالاً يهربون من يتـمٍ

لم يجدُوا أبوّةً  يسدُّون بها رمَقَهم ..

 

ليلٌ يمانيّ

خديجةُ ..

لم تُشرقْ على البئرِ ..

لم تَعُـدْ الى أهلها يوماً ..

شموسٌ بعيدةٌ

وليلٌ يمانيٌّ يضيءُ

ليجرحا ..

ونحنُ

يتاماها الرعاةُ ..

ونحنُ من يُطيحُ بهم ماضٍ ..

وتمضغُهم رحى ..

 

تجاعيد شرسة

عالياً ..

عالياً ..

يَتُها الشّجرةْ ..

أوقدي لليتامى ثياباً من الخوصِ..

من وحشةِ الأنبياءِ ومن جوعهم ..

واتركي لحفيفكِ أن يرتويْ من كآبتنا ..

حرّكي بيديك هواءَ المدينةِ

هذا الرتيبُ ، المملُّ ..

إذهبي  عالياً..

واغرقي في تجاعيدِهِ

أيّ ذاكرةٍ لتجاعيدهِ  الشّرِسَةْ ..

*

عالياً..

عالياً ..

في الهواءِ المملِّ

الى أنْ يثورَ الهواءُ على ذاتِهِ

ويفجّرَ ملءَ امتدادِ الضحى

جَرَسهْ ..

 

سألتها أن تقود الليل من يده

سألتها أن تقودَ الليلَ من يدِهِ

الى فراشي، فنمضيهِ مناصفةً . .

نجماً .. فنجماً ..

الى أن يعتري لغتي بعضُ النعاسِ

فنغفو ..

مرَّ بيْ تعبٌ

يضىءُ مثلَ عصا الترحالِ ..

تكسرُني مدينةٌ لم أجدْها ..

ثُم تفتكُ بيْ  مدينةٌ وجدتني ..

محنتي حُلُمٌ

يموتُ  فيَّ  ليبقى..

محنتي لغةٌ خرساءَ  لا تسعُ القتلى ..

وليس لها إلاّ الحنينُ

الى اللاشيءَ ..

 

ذي لغتي

شريكتي في ابتكارِ الوهمِ ..

أُرهِقُها بما أحمِّلها من وحشتي ..

وبما يُلقي على حُلُمي

من حزنهِ الشجرُ ..

أمضي وتمضي معي حوّاءُ ..

هل وطنٌ يلوحُ في الغيبِ ؟

هل منفىً؟

هل المطرُ

يَبِلُّ قيثارتي يوماً ..؟