نداء البدايات 2013 

مختارات

  • ليل عراقي
  • أرض السـواد
  • نـداء البـدايـات
  • ذئــاب
  • عـشـبة السـومريّ
  • أيــــام
  • ضــدان
  • عشبتانِ على طللٍ
  • لو طـال درب الكـلام
  • تأتي الفصـولُ وتمضـي
  • أقصـرُ مـن آهــــةٍ
  • العـودة الى بابـل
  • طـاغيـةمن العـالـم الثالـث
  • مركبات التتـار- مقاطع
  • شـمسٌ واطئــة
  • يقـظـــة
  • الشــاعــر
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 ليل عراقي 

الى فاروق يوسف

راكضاً صوبَ بلادٍ

لم تجـدْ في مهرجـانِ الوقـتِ
إلاّ ضجّـةَ القتلى :
تناستها الفراشـاتُ وعافتها الفصولُ..؟
هل يرى في الظنّ
ما يجعلُ  للأيـام معنىً ؟
غيرَ ما يسمعُ من حشرجةِ الناياتِ.. ؟
يمضي :
لا يرى إلاّ حنيناً لجذورِ الضوءِ..
يمضي :
ليس إلاّ هـذه الأيـامُ ملقـاةً
على قارعةِ الـدربِ ..
ويمضي
ليس إلاّ وهْـمُـهُ العـالي
ومنفــاهُ الثـقيـلُ..
 
أيها الليـلُ الخرافـيُّ إلى كـم
ستـطولُ ؟
 
 

أرض السـواد

مذ خلقَ اللهُ بـلادَ اللـهْ
وهْـيَ تغنـي أبـداً
للسـخطِ أوللآهْ
مذ خلقَ اللهُ الحصى والحصـادْ
وهي بلادُ السـوادْ ..
حقيقـةً كان اسْمُها أم رمزْ ؟
تهـوي الى الواقع أم تعـلــو
الى الكنايةْ ؟
واقفـةً بين عذابِ البـدءِ
والنهايـةْ ..
 
 

نـداء البـدايـات

أتـتْ
ومضتْ ..
مرتْ على الليل
فـانحنتْ لحكمتهِ البيضـاءِ
مسـّتْ خريفـهُ بقـوس صباهـا
استيقظـتْ آهــةُ الحـصى
وفـاحَ شــذى الوديـــانِ ..
 
قالت له : انكـسرْ .
تكسّـرَ ..
قالت : كنْ جنوناً  فكانَ ما أرادت ..
وكنْ كأسَ النعاسِ :
يلفّني وإياكَ، يروينا فيندى..
 نشمّهُ فيغـدو بساتيناً ..
 
أكانت بشارةً ؟
أكانت سراباً ؟
كيف جاءتْ؟
متى مضتْ؟
لمَ ارتحلتْ ..؟
 
 
لا الليلُ يعرفُ سرّها،
ولا هيَ تدري ما تريـدُ .. كلاهمـا
ارتحالٌ الى المجهولِ والوهـــــــمِ؟
أم همـا
نداءُ البدايات السحيقةِ .. كلمـا
أعادا الى الحلـــمِ القديـم ِاكتمالهُ
غـــدا الحلـــمُ وهْمـاً…؟
 
 

ذئــاب

ليـلٌ يتخبط في دمهِ..
كـونٌ مثلُ إنـاءٍ خـالٍ :
لا حجرٌ يُنحتُ، لا ضوءٌ، لا أسطورةْ .
لا أنثىً تحكمُ مملكة ً
لا أجـراسْ ..
 
أنهارٌ تركضُ عمياءْ
أرضٌ يذهبٌ فيها العمرُهباءْ ..
لصٌ لا يحتاج الليـلَ،
لغاتٌ لا تأبـهُ للمعنى ..
أخيلةٌ تعـوي،ويباسٌ يهطـلُ
فوق َيبـاسْ ..
ينهـشُ فيها الذئبُ الذئبَ
ويسطعُ فيها الموتُ وحيـداً :
تتآكلُ أسماءُ القتلى
تتعفـنُ أيام الناسْ ..
 
 

عـشـبة السـومريّ 

قــالَ: أزرعها في مكان ٍيليقُ بها :
عـزلةٌ مترفعـةٌ، مثلاً
بين حلمـينِ، أو شرفتـينْ ..
قلتُ : يرهقها، ربما، صوت سيارة ٍ..
قـال: تجرحها، ربما، جلسات السهـرْ..
قلتُ: هل يفهم البشر اليابسون ُ
لغاتِ الشجـرْ ؟
 
ومضينا نهيّيءُ في الروحِ
أمكنةً نتخيّلهـا :
تـارة ..  قـرب نهـر خفيف ٍ
وطوراً  نواة ًلغابـة ْ
ينشرالسومريّ عليها توحّـشـهُ
أوكتابـه ْ..
قلتُ:أزرعها في فراشيَ دافئةً
أو قبالـةَ مكتبتي :
تتنفس، مثليَ، حبرَ الحنين ِ
وأرقبهـا، تتفتحُ ملءَ مفاصلها الشهواتُ ..
قرونٌ مضتْ ..
وأنا أرقبُ السومريّ يفتشُ عن بقعـةٍ :
ألفُ جيلٍ مضى، ألفُ جيلُ سيمضي
ممالكُ أودى بها الليلُ، ثم أختفتْ
محضَ أسئلةٍ من دخــانْ ..
نظـرَ السومـريّ الى الأفـقِ
أيّة شمسٍ معذبةٍ؟
كل شيءٍ بـدا ضيقاً.. ضيقاً
كان في دمهِ الملحُ والضوءُ يختصمـانْ ..
طفلةٌ تتفتـحُ صاعـدة ً:
ضيقٌ يا نسيـمَ عباءتـهِ.
ضيقٌ يا سـريـرَ الزمـانْ . 
 
 

أيــــام 

هكذاْ تتشكل أيامهُ ،
لا كما يتشكل غيم الضحى
بل كما يتقاطر في يـدهِ
خرزالمسبحة ْ..
قطرةً
قطرةً ..
قطرةً ..
تلك أنيابُ بوابةٍ وجهازٌ أصـمُّ
تمرّ الصباحاتُ بينهما،
وتمرّ الظهيرةُ، والتعبُ المرُ، والكَتَبةْ ..
 
قطرةً
قطرةً
يدخلونْ ..
 
قطرةً
قطرةً
يخرجونْ ..
 
ويحدق في بئر ذاكرةٍ تتـأوّهُ :
جامعةٌ تتموّجُ في أفُقٍ من حنينٍ
الى ما مضى، أم تلالٌ تمرّ بها الريحُ
صافيةً معشبةْ  ..؟
 
يتذكرُ :
تلك الطريق الى المكتبةْ
تتلوّى كأفعىً مقدسةٍ ..
يتذكـرُ:
ما يتساقطُ من ذكرياتٍ
على خشبِ المصطبةْ ..
فجـأة :
يتشظّى زجاجُ النهارْ..
يتثاءبُ في دمهِ جرسٌ شاحبٌ
وتحمحمُ بوابةٌ متعبةْ…
 
 

ضــدان

أحـنّ الى حلـمٍ، صغيرٍ يجيئني
ويصحبني  للنوم ِلا سقفَ فوقنا:
 سمـاءٌ تغطيني ..
وتغفـو بجـانبيْ ..
أحـنّ الى نهـرٍ، أربّيهِ مثلما
تربّي فتـاةٌ حلمهـا :
كلما مضـت بـه موجـةٌ ردّتـه أخـرى ..
وإن مضى بـه غضـبٌ جـاءَ الرضـا
مثلَ غيمـةٍ
فتحلو خسـاراتي
وتـندى متاعبي ..
أحـنّ الى ذاتـي
تـُرى، من يعيـدهـا إليّ ؟
وذاتي اليــومَ ضـدانِ، هكـذا:
يشاركني فيهـا عـدوّيْ
وصـاحبي ..
 
 

عشبتانِ على طللٍ

جاءهـا ناحلاً مثلما الضوء
فاضَ به الكهفُ واستثقل الناسُ نبرتَه ُ
والفراشاتِ التي صاغهـا :
انتظريني ..
مثلمـا الضوء يُجـرّحـهُ حجـرٌ وتكبّله الأشـنات ُ:
تعالَيْأدثـّـرْك، بيْ، وثقـي بهـوايّ
وليلي الطويلِ كصبركِ محتشداً
باللظى والحنين ِ..
 
وقال لهـا كل ما لـم يقلهُ
وما تعرف النفسُ وحشـتهُ ثم تنسـاهُ :
كيف احتملتِ صبايَ
وباركتِ لي ذهبي وخطايايَ؟
إن الصعاليك، أعني المَلولـينَ مثليْ ،
صِلالُ الفــلاةِ التي تتمـوّجُ
في فضة الليلِ، ما بين مكـرٍ ولـين ِ..
 
رافـقـتـْهُ الى صبوات بلاغتهِ
أصغـيـا، مثلمـا عشـبتـانِ على طـللِ،
للحصى وهـو يُـطبخُ حتى تجـرّحـتِ النـارُ منهُ ..
وسـارا الى آخر البوحِ مبتهـلَـينْ :
إنه البـوح يـدفيءُ نارهمـا جمـرة ً جمـرةً ..
ويديـنِ  يديـنْ ..
– هـل نسينا براهيننا مـرةً ؟
– قـد همَـمْـنا .. وكِـدنـا .. وعـُـدنـا ..
لـكي نهـتـدي مرتـين ْ..
 
 

لو طـال درب الكـلام – إلى سفيان الخزرجي 

  إلى سفيان الخزرجي
كم تمنيتُ لو طال دربُ الكلامْ
لو أطلتُ الجلـوسَ الى لغتي :
فأطاوعَ حكمتها مـرةً
وأراوغَ غربانها
مرتــين ْ..
 
قبل أن يعبرَ الرعـدُ وديـانَ
روحيَ، أو تتجـاوزَ ضجّتـُهُ الشفتــين ْ..
آهِ لـو أنّ ما قالهُ الرعــدُ ذات حنـينٍ
مضى مسرعاً لنهاياتهِ..
أن ما قالهُ ذات يـومْ
لم يكن غير أضغاثِ حلـمٍ تناثرَ في أولِ الجسـر ِ ..
 
منذا يردّ الزمانَ الى جـذرهِ ؟
من يردّ الكلامَ الى حبـرهِ
مثلما قالها، مرة ً،
أدونيـسْ؟
 
 

تأتي الفصـولُ وتمضـي

تأتي الفصولُ وتمضي :
ها هنا حجر يبكي هواهُ
وأنثى تستفيقُ
هنـا..
 
تدعـو الفصولَ الى تغييرِ عادتهـا :
لا يـومَ دون حنينٍ، كلُّ ثانيةٍ تعيدُ لي
 ما مضى ..
 
كيف انسللتِ إذاً مـن يقظتي؟
أيّ وهـــمٍ ذاكَ ؟
أيّ هوىً يأتي ليمضي
ويمضي كي  يقيــــم هنـا :
حكايةً تسلبُ النسيانَ سطوتهُ..
غزالـةً مزجتْ بالضوءِ فتنتهـا..
ثم اسـتدارت تغـني :
عاشقي وأنـا
كأسا نبـيذٍ قديـمٍ أسكرَ الزمنا..
 
 

أقصـرُ مـن آهــــةٍ

قيلَ :
״ كان َطريدَ الفراديـس ِ ،
كان خصيمَ المغنـينَ للنار ِ..
يطربه ُأن يحرّق َ وكرَ الأفاعي علانية ً .. ״
 
وأضافوا من الشعرِ بيتـين ِ :
״ كان سليل َ النقائض ِ :
يقسو ويحنو، وينـأى. ويدنو
له تارةً شطحاتُ نبيّ قديـم ٍ
وطوراً لهُ ترّهاتُ الشباب ْ.. ״
 
قال لي مرة ً:
كـم قُتلتُ؟ و كم عدتُ من “
مهرجان ِالنهايـةِ  أشـهى غنائيـة ً؟
غير أن ّ حياتيَ أقصرُ من آهـــــةٍ :
كلما بلغتْ نشوتي أوجَها
جاءني الموتُ يشملني بعنايتهِ :
فتساقطتُ من شاهق ٍ
وتعاليتُ كالضوء أو كالترابْ ..
 
أيُّ أرض ٍأنـا ؟ مهرجانٌ
وعكازتان من الماء ِ؟
أيّ هـلالٍ يسير على  الرمل ِأعمى؟ “
 
وأردفَ :
” كم قـد ولدتُ .. وكم مُتُ ..
كم قمت ُمن وحشة ِالبئر مشـتعلاً..
كم أعـدتُ الى الموتِ هيبتهُ
كم مزجتُ نبيـذَ  كهولتهِ بالشبابْ ..
 
ليس لي كفن ٌممتعٌ
ليس لي من حياةٍ  َتلـيق ُ بفوضايَ ..
حتى إذا مُتُ للمرّة الألف ِ
قالت ليَ الأرضُ ذاهـلة ً :
وطنٌ مقبل أنتَ أم وطنٌ موغلٌ
في الغيابْ ..؟
 

العـودة الى بابـل 

مضت قرونٌ..
ويمضي غيرُهـا :
سفنٌ تحطمتْ، وحمامٌ تاهَ
كم سـنةٍ ضعنا، وضاع  مغنينا
الغرابُ مضى …
لا عندليبَ على القيثارِ..
لا مطرٌ على الأغاني ..
هتفنا :
– أين وِجهتنا ؟
قالوا : الى بابـل ٍ نمضي  ..
–  أيعـرفـنا أطفالهـا أم حصاهـا ؟
هكذا ركضت بنـا الميـاهُ
ضحايـا ساخطينَ على أوطانهـم..
هل وصلنا؟
لم نجـد  قمراً على قرانا..
ولا نبيّاً يتيماً .. لم نر امرأة ً..
ضِعنا .. وعُـدنا ..وضِعنا ..
مثـلَ أغنيـةٍ تسيلُ من وترٍ أعمى ..
كأغنيةٍ  في ذروةِ  اليأسِ:
هل للبحرِ ذاكرة ٌ تكفي لحشرجةِ الغرقى ؟
وهل عُجنت ناياتنا من عظامِ ِالميتينََ ؟
 
لقد عدنا قساةً نغني
ليس في دمنا إلاّ المشانقُ ..
كم قلنا: الغرابُ مضى ..
وكم هتفنا: استعدنا نومَنا
أمضى الغرابُ حقـاً ؟
رجعنا .. كل أغربةِ التاريخِ  في دمنا:
قتلى، غزاةٌ، وراياتٌ، وأدعية، وقاتلونَ..
أظلّ اليومَ في دمنا من بابل ٍغيرُ فوضاها
ومحنتهـا .. ؟
 
أهلكْتنا أم هلكنا فيكَ؟
أيّ هوىً، وأيّ منفىً هتفنا تحت رايته ِ
حتى نما الشيب ُفي أقـداحنا ..
ومضت أيامنا…تـتـَهـاوى
 
تلكَ حكمتكَ السوداءُ :
تصنعُ أنهاراً وآلهة ً كما الثعابـينِ ..
كم ضعنا وكم عصفتْ بناالمتاهاتُ :
أجيال ٌ بلا حلمٍ..
وحالمون يضيء ُ اليأس ُفي دمهــم ..
وفـتنـةٌ ملءَ هــذا الليـلِ ِ ..
يجرّحـني هـذا الحفيف ُ..
أللأشجارِ حيرتُها هيَ أيضاً؟
أم يضجّ بهـا ذاتُ الحنـينِ :
 أيمضي الساخطونَ على حلم ِالفراشاتِ يومـاً ؟
مثلما عبرت تلك الغيــــومُ..
كما نصغي لكارثــةٍ ..
كما نغني لأيام ٍ مضتْ ..
بـَدَدا؟
 
 

طـاغيـة من العـالـم الثالـث

يكرهُ الغيــمَ
ولا يأبهُ للنـايِ إذا أجهشَ أو غنّى ..
ولا يشربُ إلا من دم الماضي ..
مقيـمٌ  كظلام
عابرٌ مثلُ زبـدْ ..
 
ما بكى يوماً على قبر غزالٍ
ما انحنى يوماًعلى حلـم ِ
أحـدْ ..
 
بعضهُ يكفـي لتهديـمِ ..
بـ
لـ
د ْ ..
 
 

مركبات التتـار- مقاطع

منذ خمسينَ قرنـاً
وعشر حروبٍ إلهيـةٍ
وهي داميـةٌ في مواجهـة الـرعـدِ :
أيّـة ُ أرض ٍتتـوقُ الى اللــهِ
أيّ سـماءٍ  يحـفّ بـهـا الـشكُّ
أيّ ظـلامٍ نقـيّ،
وأيّ نهـارْ ..
وهي مثقلـة بالعناقـدِ والخـوفِ :
بـرجٌ  ُيضـيءُ ، وأسئلةٌ تتكاثـرُ كثرةَ أبنائهـا ..
فجأةً ، كتبٌ ومـذابـحُ ،أخيلـةٌ وخيـولٌ
قبائـلُ من معــدِنٍ وغبـارْ ..
تتقـدمُ هـائجةً عرباتُ التتارْ ..
لا غبـارٌ يعـمّ الخليقـةَ
لا ضـوءَ إلاّ وبابـلُ أمّهما ..
هكذا تتحـدّث ريـحُ الزمـان  القديمـة ُ :
ماذا سيبقى لـدنياكـمُ المقبلـةْ
بـابـلُ الجهـلِ ، أم  بـابـلُ الأسئلـةْ ؟
ثمّ تكمل حكمتها :
مطراً ميّتاً يملؤونَ قصائدكم
ودمـاً يملؤونَ الجرارْ ..
يتهالكُ برجٌ ..
وتعبر دبابتانِ الى اللهِ ..
تنهضُ سوداءَ شمـسُ التتارْ ..
 
 

شـمسٌ واطئــة

لكلّ وطـرْ :
يشعل الصيفُ أشجاره ُ
تحت شـمس ٍ مجففـةٍ..
 
للربيع صبـاهُ :
يـدبّ ؛ فيكسو عظـامَ الشجـر ْ..
 
ولشيخِ الفصولِ الرعـودُ المهيبـةُ
والبـرق ُ.. والأرضُ عُـريانـة ً
تتلقـى سلالَ المطـرْ ..
 
وحدَه صاحبي
كان يدخلُ مثل نهارٍ قديـــمٍ :
عصاهُ، وضجّتهُ الهادئة ْ..
وحدَه صاحبي
كلما مرّ تحزنني شمسهُ
الواطئة ْ ..
 
 

يقـظـــة 

سـقط الضـوءُ في طـرفٍ من حـديقتهـا ..
وتوهّـجَ في ماء مرآتهـا
جسـدٌ دافيءٌ كالنهـار ْ..
خرج النـومُ من نومـهِ  صافيـاً ..
والفـراشاتُ ضاءت على مدخـلِ البيـتِ :
كـم حجـرٍ حكّـهُ الضوءُ
حتى بـدا ثمـلاً ..
كـم طريق ٍتلفـتَ منتشياً
كـم جـدارْ ..!
 
 

الشــاعــر 

وارثاً ضوءَ أسلافهِ لا سلاسلهم..
يتأملُ حشـدَ الفراشاتِ :
قافيةٌ هاهنـا وهنالك رعـدٌ حميمٌ يدبّ
الى الروحِ..
 
أيّ الفضاءاتِ يختارُ؟
ذي غبطـةٌ تشبهُ الطيشَ ..
طيشٌ يفيضُ كما حكمةٌ صافيـةْ ..
– راقصونَ :
فضاءُ سلاسلهم ذهبٌ غائـمٌ
وهتافاتُ أقـدامهم لغةٌ
حافيـة ْ..
 
– شعراءٌ
يضيئون من فرطِ وحشتهـم ،
ويسيلون بين حصى
القافية ْ..
 
مقالة عن الديوان:

توتر في النص وأحساس بالنغم

إبراهيم خليل 
يواصل علي جعفر العلاق في نداء البدايات ( المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2013) ما كان قد ابتدأه في ديوانه ” ذاهب لاصطياد الندى 2011 ” بناءه القصيدة بناءً لا يخلو من توتر يتركها مشدودة في اتجاهين، كل منهما عكس الآخر. وهذا يظهر من تقديمه المكثف للديوان ، وهو قصيدة قصيرة أكبر من (الهايكو) وأقل حجما من القصيدة. ويتجلى توتر النص في تركيزه على الطائر الذي يحلق على أساس أن التحليق يعبر عن حرية هذا الطائر، وانطلاقه في فضاءات بلا حدود، غير أن الذكرى، هي التي تجعل من هذا التحليق تحليقا في قفص. فإذا بالانفتاح يتخذ صفة الانغلاق، مؤكدا أن الطائر المحلق طائر حبيس في لحظة اليتم، ولحظة اليأس، ولحظة الماضي، وإذا بالتحليق لا يعدو أن يكون حضورا في الغياب:
حلق الطائئرُ حتى آخر الذكرى
وحتى آخر اليأس
وأرخى
لشذا اليتم جناحيه
القديمين
وغاب
يحتاج التحليق لجناحين منتصبين، قويين، منفردين لا إلى جناحين مرتخيين، متهدلين، ويحتاج لطائرٍ يتمتع بالقوة والحيوية لا باليأس، ولا بالإحباط، ولا باليتم، ويحتاج لطائر يتمتع في تحليقه بالحضور، لا بالغياب. من خلل هذه الثنائيات يتضح أن القصيدة عند العلاق، وإن كانت قصيرة جدا مكثفة تمتلئ باتنافر الذي يشيع فيها أجواءَ التوتر، وهذا التوتر يطرد في قصائد أخرى، منها قصيدته ‘ الشاعر ‘ (ص7) التي ينطلق فيها من مفارقة تتكئ على عنصرين متنافرين، أحدهما عكس الآخر. فالشاعر الذي يرث أسلافه يرث ضوءهم لا السلاسل، فالضوء خلافا للسلاسل يغريه بتأمل الفراشات: قافية، رعدٌ حميم، غبطة تشبه
الطيش، وطيش يشبه الحكمة، وراقصون يؤدون رقصاتهم بأقدام حافية مقيدة بسلاسل من ذهب، والذهب غائم. وأقدام الراقصين المغلولة بالذهب الغائم كأنها لغة حافية، وهذا جله ينم على أن التوتر لا يتجلى عند العلاق على مستوى المعنى حسب، بل على مستوى التشكيل اللغوي، والنسق المجازي، إذ هو لا يكتفي بما يكتفي به غيره من ترف مجازي، وتعسف استعاري، وإنما يمعن في تكسير الأعراف المتبعة في تفعيل اللغة المجازية، وها هي ذي الفراشاتُ التي استعيرت سابقا للدلالة على حشد من الصور الشعرية- تتحول إلى حصىً، والشعراء إلى أودية تتلمس مجراها بين ذلك الحصى :
شعراءُ
يضيئون من فرط وحشتهم
ويسيلون
بين حصى القافية
وهذا التوتر- على مستوى اللغة- يتجلى أيضًا في قصيدة له أخرى بعنوان ‘ يقظة ‘ إذ يظهر فيها النوم خارجًا من نومه، صافيا، ليس كدرًا. والحجارة التي على كثب من المنزل تبدو ثملة، منتشية، بالضوء، والطريق يتلفت للسبب ذاته مثلما تتلفت الجدران:
والفراشاتُ
ضاءتْ على مدْخل البيْت
كمْ حجرٍ
حكّهُ الضوءُ حتى بدا ثملا
كمْ طريقٍ
تلفتُّ منتشيًا
كمْ جدارٍ
وقد يكون التوتر في قصيدة العلاق ناجمًا عن اختياره نموذجا يرسم لنا صورته في تهكم يقرّبُ القصيدة من المفارقة الدرامية. فهو في قصيدة عنوانها ‘ طاغية ‘(ص27) يرسم لنا هذه الصورة التي يظنها القارئ كغيرها من صور الطغاة، غير أن طاغيته يختلف عن غيره من الطغاة، فهو لا يكره الغيم حسب، ولا صوت الناي الحزين حسب، ولا يجهش بالبكاء متأثرًا بالغناء الشجي، ولا يشرب كغيه خمرة مصفاةً، أو ماء عذبا نميرًا. وإنما يحتسي دم الماضي، فهو الشرابُ الذي يقيم على تعاطيه منذ كان. وهو لا يقيم في موضع، ولا في ظلمة أو في نهار ، إنما يعْبُر على الدوام من مكانٍ لآخر تاركا خلفه المآسي التي لا يرفّ لها جفنه، ولا يقشعرُّ لهوْلها بدنه:
ما بكى يوما
على قبر غزال
ما انحنى يوما
على حلم أحد
بعضه يكفي
لتهديم
بـلدْ