شجر العائلة 1979 

مختارات

 

  • الرحيــل
  • ثلاثُ حـالات
  • عــلاقــة منتهيـة
  • الصـديقــان
  • ســيـدةُ الف
  • وضـى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرحيــل 

أمسِ اكتَشَفتُ بأنَّها ارتحلَتْ
كما ارتحلَ الجميعُ، ولم تخلّفْ غيرَ بيتٍ
طاعنٍ في السنِّ.. غيرَ قصيدةٍ
يأوي إليها القــَشُّ، والكَدَرُ المفاجئُ،
والنياقُ المستثارَةْ
تأوي لخيمتِها اللقالقُ ..
والحجارةْ..
 
ووراءَ هذا الليلِ، ثمَّةَ عاشقٌ 
تقتاتُهُ الرَغَباتُ ،حيثُ غناؤُهُ
حجَرٌ، وحيثُ سريرُهُ  القاسي فـلاةُ..
وخيالُهُ طَلَلٌ، فلا امرأَةٌ تمرُّ
ولا رعــاةُ.. 
 
صحراءُ شاحبةٌ سريري ..
ويدايَ قطعانٌ تحنُّ،
وفي ضميري:
أنقاضُ أغنيةٍ،
عصافيرٌ تعمُّ صفوفَها الفوضى..
وماءٌ موحشٌ ينأى بها ..
 ويعيدُها
 ويظلُّ ينأى..
 ثمّ يركـدُ، ثمّ ينأى ..
عن ســريري…
 
 
 
ثلاثُ حـالات

1
أيُّكـم كان يبـدأ أيّامَهُ
يتلمّسُ لونَ الندى والحجارةِ
يُمعـنُ في بحثهِ عن مواضيعَ لم تُنتَهكْ
أو مواضيعَ، لم يكثرِ القولُ فيها..؟
كان حينَ يُحسُّ:
بأنَّ الخيولَ التي يتعقّبُها صعبةٌ
والأغاني التي يشتهيها
صعبةٌ..
يتأمَّلُ، ممتعضاً، سرْبَ أيّامِهِ
إذ يجرُّ الشَبيهُ الشَبيها..؟
2
تلكَ أغنيةُ الورقِ المتربةْ
هل تشمّونَ أزهارَها وهي تقتادُهُ صوبَ غرفتِهِ؟
صوب أحبابِه المهمَلـينََ، وتُحصي لهُ
حُلْمَهُ، أو صحاراهُ، أو كتبَهُ؟
كانَ يَرقبُ أيّامَهُ كلَّها
وانشغالاتِهِ كلّها.
يتأمّلُ أحبابَهُ الخُلَّصَ المهملـينْ..
ويعــدُّ: كتاباً، كتابينِ، أربعةً..
ثمّ ينسَلُّ من بينهم مستثاراً
حـزيـنْ…
3
قيلَ: ظلَّ، كعادتِهِ، شارداً
مثلَ من يتأمّلُ ساقيةً، أويُلامسُ طعـمَ الندى..
قيلَ عنهُ: فتىً يتناسى الإساءةَ..
قيلَ: يُحبُّ تصيُّدَها 
قيل: مًكتئبٌ، مُنْتَشٍ، شاردٌ
مثل من يتأمّلٌ ساقيـةً،
أوغرابْ..
كانَ يذكرُ اصحابَهُ ..
ثمّ يغفِرُ أخطاءَهــم..
ثمّ يضحَكُ..
ثمّ يفُكُّ عصافيرَهُ كلَّها
في الضبابْ…
 
 
عــلاقــة منتهيـة

نَــدَمٌ أمْ نــدى
أنَّ ما بيننا أصبحَ الآنَ يا صاحبي
عرضةً للأذى والجفاءْ؟
نَـدَمٌ أم نـدى
أنّني حينَ يختلطُ الأصدقاءُ المُحبّونَ
بالأصدقاءِ المعادينَ
أهجسُ أيُّهـما الأصدقــاءْ؟
 
آهِ يا صاحبي ..
كيف موسمُ ذاكَ الحنينِ انتهى؟
ثمَّ صارَ لكلٍّ هــوىً، ولكلٍّ طريقْ؟
ومضينا وحيدَينِ، مختلفَيْنِ
نغنّي:
أيا شجرَ الليلِ كيفَ انتَهَيْنا؟
وعُـدْنا بلا نجمةٍ
أوصديقْ..؟
 
 
 
الصـديقــان

“مقاطع”
هبَطْنا من سماواتٍ ومن أَرَضينَ
لم تلْمَسْهما امرأةٌ،
وأصغَيْنا لمعركةِ القَطا
والنومِ..
كنّا مثلَ طيرينِ يتيمينِ،
لماذا غبتَ؟ من وافى بكَ الآنَ؟
لقد أضنانيَ التَسْآلُ، أتبعُ كلَّ قافلةٍ
وأهتفُ: يا قطارَ النومِ
ماذا في عباءتِكَ العريضةِ
صاحبٌ ينأى؟ حريقٌ في يَباسِ العُشبِ؟
حُلْمٌ طاعنٌ في السنِّ؟
ماذا يا قطارَ النومِ ؟
من أفزعَ هذا الجمْعَ من غزلانِنا
البرّية، البيضاءِ، من فَرّقَ هــذا اليومْ
ما بينَ القَطا، والنومْ؟
 على قارعةِ البحر..
 انتَحيْنا صخرةً منهُ وأفسَحْنا
لأيّامِكَ، أفسَحْنا
لأيّاميَ، هذا الحَشْدُ من غيــمِ الجزيــرةِ،
مَعْبراً، رُحْنا
نُزيلُ المِلْحَ والأسمالَ
عن أعوامِنا، صِحْنا:
– أيا أيّامَنا السمراءْ
ألم تَزَلِ القُرى وهّاجةً في الريحِ
والصِبيةُ حافــينَ؟ وثمّةَ قُفّــةٌ في المــاءْ؟
تعالَ اجلـسْ جوارَ القَلْبِ،
لي لَيْلٌ بلا شجَرٍ،
ولي قيلولةٌ جَرداءُ، لم أسمعْ
بها غيرَ القَطا والنومِ  يختصِمانْ..
 ومُذْ غِبْنا وهذا الطائرُ النوّاحُ يُرهقُني:
– لمن تُفضي بأسرارِكَ بعد الآنْ؟
ومن ينهَرُ هذا الليلَ إذ يدنو بكلْكلِهِ
ويطردُ ناقةَ الأحزانْ؟
 
لماذا لم تَعُــدْ من قَبْلُ؟
ذي روحي إناءٌ طافحٌ بالصبرِ
لا الصَهباءْ..
وعيناكَ قَطيعٌ أنهكَ الرُعـيــانَ من جَــرّاءِ لهفـتِهِ..
فمنْ أطلقَ في عينيك هـذينِ الغُرابـينِ الحزينينِ..
ومن أشعلَ في وكْرَيْهِما الحَلْفــاءْ؟
ومن فــزّزَ في الفجرِ
طيورَ المـــاءْ؟
 
 
ســيـدةُ الفوضـى

من أينَ جاءتْ هذه السيّدَةْ؟
فحّركتْ غُدرانَنا
الراكدَةْ؟
ألم يَصحْ في وجهِها عاذلٌ
ألم تخَفْ من ريحِنا الباردةْ؟
 
نشَهدُ أنَّا ما رأينا هـوىً، مثلَ هواها:
قيلَ ألقتْ بها قبيلةٌ، ألقى بها مركبٌ مُطارَدٌ،
 بل قيلَ ألقتْ بها سَحابةٌ،
خفيفةٌ، صاعــدَةْ…
 
يُقـالُ..
أوقيـلَ..
ولكنّهـا:
أشاعتِ الفوضى كما تشتَهي..
وأجرتِ الريحَ كما تشتَهي..
وأيقظَتْ قُطعانَنا كلَّها..
وأشغَلَتْنا دفعةً
واحــدةً..
 
من أينَ جاءت تلكم السيّدةْ؟
وأين غابت تلكُم السيَّدَةْ؟
قالتْ:  “وداعـاً”..  ثمّ لم تلتفتْ
لريحِنا المهمومةِ
الباردَة..