قراءة فصل من كتاب أحب إلي من أجمل السهرات 

الشاعـر الناقـد علي جعفر العـلاق :
حاوره : عبد الستار البيضاني
علي جعفر العلاق بعيد عن الإشكالات مع الآخرين إلا بحدود التعامل الإبداعي ، لا يجمعه مع محيطه سوى علاقة قائمة على حسن الطوية ، فهو هادئ الطبع ويغلب على سيمائه حياء ممتزج باستغراق دائم في الذات ، لكنه من ناحية أخرى يخفي تحت هذا الاستغراق أرقاً مستديماً أساسه الموازنة بين ذاته والعالم ، بين سلوكه إنساناً وبين تفكيره مبدعاً . لعلي جعفر العلاق خصوصيات تميزه عن أقرانه الشعراء ، خصوصيات شخصية على الصعيد الحياتي وخصوصيات ذاتية تمس سياق نظرته إلى التعامل مع الأدب . وعلي جعفر العلاق الرجل لا يعلن عن ذاته إلا ضمن قصيدته أو مقالته النقدية أو دأبه على القراءة وعلى البحث عن الجديد . واللافت للنظر إنه لا يعلن أيضاً عن مشروعاته الإبداعية إلا بعد إنجازها وعدا ذلك تراه مهموماً في مجلة ” الأقلام ” ولا يتردد عن الإفصاح عن نياته إزاء تفاصيل أعداد المجلة القادمة .
لكنْ وراء هدوئه تاريخ من الكدح والإصرار على بلوغ أهدافه التي اختطها لنفسه والتي لم يخطئ في تحقيقها . وهذا ما جعله ينال قسطاً كبيراً من السعادة والاطمئنان الروحي بعد حياة طويلة من التطلع إلى فضاء الأفضل والأجمل .
لنتعرف على الوجه الآخر لعلي جعفر العلاق ، وبادئ ذي بدء على طفولته وحياة الذين وراءه الآن شاعراً وناقداً ودكتوراً في الأدب الحديث.
هل لخصت لنا سيرتك الحياتية الأولى ؟
ولدت في قرية من قرى واسط ، محاذية لنهر دجلة ، كانت تفاصيل طفولتي بسيطة لكنها مع ذلك شديدة العذوبة . لم أعش في عائلة ثرية أو ميسورة الحال . لكنني وجدت ما يعوضني عن ذلك ، كان أبي رجلاً يعرف القراءة والكتابة ، مع أنه فلاح بسيط ، علمني مع إخوتي الثلاثة قراءة القرآن والكتابة .
كان أبي معروفاً في المنطقة بشكل يبعث فيّ الزهو والتباهي على أقراني ، وأذكر أن أحد أصدقائه ، وكان من رجال الدين ، يزور القرية في رمضان أو محرم ويحل ضيفاً على والدي ، وحين يأتي هذا الشيخ يكلفه أبي بأن يقرأ لنا أو علينا مقاطع من الشعر ويشترط علينا حفظها ، وغالباً ما كنت سباقاً إلى حفظ تلك المقطوعات قبل أخوتي .
وكانت والدتي ذات صوت جميل شجي ، كانت تحفظ الشعر الشعبي وتقوله أحياناً  ، وكانت تروي لنا الكثير من الحكايات ، وتردد الكثير من أغاني الأمهات .
وحتى فترة متأخرة ، كنت إذا سمعتها أحس نفسي مشحوناً بالدمع والأسى حتى رؤوس أصابعي ، كان لها دور أساسي في اقناع والدي للانتقال بنا إلى بغداد لتسجيلنا في المدرسة ، وكان دورها أعظم حين كافحت ببطولة عجيبة ، بعد وفاة والدي ، كي أبقى في المدرسة وأنا كنت ما أزال في الصف الثالث الإبتدائي .
ما حكاية الصف الثالث الإبتدائي ؟
حين وصلنا إلى بغداد ، أبي وأنا ، قصدنا أحد أقاربي الذي أخذني إلى مدرسة المسعودي ، في الجعيفر ، وقد فوجيء مدير المدرسة بقدرتي على القراءة والكتابة فأرسلني إلى الصف الثالث مباشرة ، وكان درس الدين هو الدرس الأول الذي حضرته . كم كنت سعيداً تلك اللحظة ، ولكن لم تدم تلك الفرحة أكثر من درس واحد ؛ إذ حين جاء درس الحساب وجدت نفسي في متاهة لا طريق يخرجني منها ، فأعادني المعلم إلى المدير الذي أعادني ، بدوره ، إلى الصف الثاني .
حدث ، في هذا الصف ، أننا كنا نصطف في الصباح الباكر ويخرج أحد التلاميذ من الصفوف المتقدمة ليقرأ علينا قصيدة محددة . في أحد الصباحات قرأ أحد الطلبة قصيدة عنوانها ” الربيع ” وما زلت أذكر اسم شاعرها ” خطاب سلمان العبيدي ” . كانت مفاجأة صارخة لي حين علمت من همس التلاميذ أنها من شعر أحد معلمي المدرسة ، وكان حاضراً في الساحة حينئذ . انتابني شعور غريب ، كيف تسنى لهذا الرجل ، وهو من لحم ودم مثلنا ، أن يكتب كلاماً كهذا ؟ أيكون الشعر كلام إنسان عادي يشبه الآخرين ؟ هل الشاعر يشبه أي إنسان آخر سواه ؟ كنت أعتقد أن الشاعر كائن أثيري ، لا يمكن لمسه ، أو محادثته . لذلك بقيت أنظر إلى ذلك المعلم مشدوهاً أتجاوز ملامحه المادية المحسوسة . آنذاك فقط أحسست بحلم صغير يراودني : أن أكون شاعراً ، وربما حلمت أيضاً أن يقرأ الطلبة ، ذات يوم بارد ، إحدى قصائدي في اصطفافهم الصباحي .
معظم من عاش في الريف التصق بالغناء وأحبه ، أين كنت من الغناء الريفي ؟
تمتد صلتي بالغناء إلى فترة الطفولة ، كنت أهرع وأنا طفل صغير إلى حضور أعراس القرية للاستماع إلى الغناء الريفي ، وكنت مأخوذاً أيضاً بغناء الأمهات، ذلك الأنين الدافئ ، المثير للشجن .
وكانت أمي تمتلك صوتاً جميلاً كما قلت ، وكثيراً ما كانت تهدهدني بأغانيها الشجية تلك . إن سمعي ما يزال مليئاً بتلك الأصوات والروائح والألوان التي تهب عليّ بين آونة وأخرى ، من مكان ما في الذاكرة .
أذكر حين جاء بي أبي إلى بغداد ، قبل قدومنا إليها جميعاً ، أن أول ما لفت انتباهي فيها ، ونحن ندخلها أول النهار، باصات نقل الركاب الحمراء العالية وهي تلمع تحت الشمس ، وأغنية جديدة كانت تملأ هواء بغداد آنذاك وأزقتها ، أغنية : سمر سمر لرضا علي .
وكان صوت ريفي شديد العذوبة والصفاء ، ينطلق من الراديو في حفلة خاصة به كل جمعة ، صوت ” حضيري أو عزيز ” أحببت صوت حضيري كثيراً ثم بعد ذلك ، زاحمه صوت داخل حسن ، غالباً ما أجد نفسي مفتوناً بصوته أكثر من حضيري ، فهو صوت أعمق وأكثر حرارة ، وأشد حرقة ، إنه من الأصوات التي يمكن رؤيتها ، أو هكذا يبدو لي دائماً ، صوت طري ، حار ، غائم ، يقطر خضرة وماء .
أية أصوات عربية أعجبتك ؟
من الأصوات التي أعشقها جداً فيروز ، صوت عميق في حزنه ، ونبله ، وبهجته ، في صوت فيروز صبايا يتأوهن من فرط الحب ، وينابيع تلتحم ببعضها البعض ، جبال مكتئبة شاهقة ، فلاحون مبتهجون بشقوق أيديهم ، ورياح سوداء ، وغيوم منعشة تنهمر شجراً وعشاقاً وثلجاً كالقطن .
أحب صوت فريد الأطرش ، وعبدالحليم حافظ ، فهما صوتان خاصان جداً ، الأول بنبرته الشرقية المجرحة والثاني يتصف بذلك الأسى العنيف ، الدافق ، صوت عبدالحليم حافظ رجولة طافحة بالشهوة والألم ، جياشة ، مقموعة ، أسيانة .
من يعرفك عن كثب يجدك هادئ الطبع ، مسالماً ، وليست لك مشكلات مع الآخرين في الوسط الثقافي ، هل تساورك لحظات غضب ؟
أنا عموماً على علاقة طيبة مع أصدقائي وزملائي ، لي خلافي واختلافي مع بعضهم في مواقف عامة ، أو ثوابت في الثقافة أو الشعر والحياة ، ولكن نظل ، مع وجود هذه الاختلافات ، أصدقاء شديدي الألفة .
أشد ما يحزنني الخصومة غير الشريفة ، أو الفظاظة والسوقية في التعبير عن الاختلاف أو التمايز في الرأي ، حين يزهو البعض بميراثهم الضخم من قلة الذوق يظل لي أن أباهي أنني رجل شديد التهذيب ، لي لحظات من الغضب مدمرة ، لكن يحول بين اندلاع الكثير منها ما جبلت عليه من حياء .
أنت شاعر ، هل تنحو إلى تقسيم الشعراء إلى طبقات ؟
هناك نمطان من الشعراء ، نمط يكتب القصيدة ، ويخرج منها إلى الشارع ، بعد اكتمالها ، نجده عارياً من ماء الشعر ونظافته مزاجاً وسلوكاً وذاكرة ، يقطع ما يربطه بشعره وينطلق بعيداً عنه ، لذلك حين تتأمل سلوك شاعر من هذا النمط فمن السهل أن تظنه قصاباً أو ملاكماً أو حداداً .
أما النمط الثاني ، فيمثله شعراء بشمائل مغايرة تماماً ، لا فاصل بينهم وبين قصائدهم ، لا يقفزون خارج نصوصهم إلى اليباس والفظاظة ، بل يظلون يرتدون أرواحهم وقصائدهم وعذابهم الصافي . يواجهون السوقية والدجل والكذب بمزيد من الشعر ، والنبل ، والكرامة المجرحة . ورغم كل ما يحيط بهم من عداء أو إهمال تظل أرواحهم تقطر بللاً ، ودفئاً ، وحزناً كريماً . أنا مفتون بهذا النمط من الشعراء بعذابهم الشامخ ، وعزلتهم الحاشدة .
لنعد إلى طفولتك وصباك ، ماذا تنتقي من ذاكرتك حين تتأمل ذاتك ؟
كنت في طفولتي ، شقياً ، شديد الإزعاج والمشاكسة ، كنت أكثر أخوتي وأقراني صخباً ، وحركة . ولقد حدث بعد ذلك انكسار مفاجئ في هذا المزاج المشاكس المتعب ، يمكن اعتبار وفاة أبي في السنة الأولى لانتقالنا إلى بغداد ،  التي كانت غريبة وغامضة بالنسبة لنا ، عاملاً مهماً في ذلك .
أردنا ونحن ما نزال صغاراً ، أن نعوض أمنا عن ذلك الفقدان الكبير ، نعينها على ما تواجهه ، من أجلنا ، من متاعب وغربة وأحزان لا تهدأ ، تنازلنا عن نصف مصروفنا اليومي ، وكان ضئيلاً جداً في الأٍساس ، تنازلنا عن جزء كبير من شقاوتنا ، وعبثنا الطفولي ، وشيطنتنا الضرورية في تلك السن . لقد فعلنا الكثير ، آنذاك لمؤازرة تلك الأم المضحية .  أذكر ، وكنا نسكن بيتاً متواضعاً في العطيفية ، أن الريح قد هبت بعنف في ليلة شديدة المطر ، تسرب الماء من السقف ، أطفأ نارنا الدافئة ، وأشاع فينا الخوف ، هرعت أمنا تداري الوضع ، وخرجنا نحن الصغار الأربعة إلى الريح والليل ، ذهب كل منا ليصلح طرفاً في السقف الواهن وليزيده ثباتاً . كان المطر ، والليل والريح ، يسقط على قلوبنا ، ويجتاح أجسادنا الصغيرة حتى هدأت العاصفة .
كنا نفعل ذلك لنحمل عن أمنا ما تستطيع قلوبنا وأجسادنا حمله من حزنها الصامت البليغ .
أنت واحد من الأدباء الذين لا يستهويهم الظهور الشخصي في الجلسات الخاصة ، ألك هوايات خاصة تعوض بها عن ذلك ؟
لا أميل إلى الجلوس في المقهى ، لذلك لم أتعلم لعبة الطاولة أو الدومينو أو الورق ، أحب كثيراً لعبة الشطرنج وأمارسها أيضا ،ً ولكن بإمكانية متواضعة .
من أحب الهوايات إليّ مشاهدة السينما ، وأذكر أن فترة دراستي في إنجلترا كانت فترة ذهبية بالنسبة لهذه الهواية ، لقد كنت لا أتعب من مشاهدة الأفلام الرائعة خاصة في أيام عيد الفصح وأعياد الميلاد ورأس السنة حيث تعرض الأفلام بكثافة شديدة عبر قنوات التلفزيون .
أحياناً أجدني ميالاً إلى أفلام رعاة البقر ( الكابوي ) خاصة تلك الأفلام التي قام ببطولتها عمالقة السينما : جون وين ، كاري كوبر ، برت لانكستر ، كريكوري بيك ، كلينت ايستود . يفتنني فيها ثراء الطبيعة ، وامتداد البراري ، والتوتر ، والبساطة ، والمفاجآت والحركة .
أذكر أن أول فيلم شاهدته ببغداد كان فيلم ” المنتقم ” بطولة كريكوري بيك ، وهو من أفلام رعاة البقر ، ومن الطريف أن تلفزيون بغداد قدم هذا الفلم قبل أشهر فاكتسب لدي نكهة خاصة .
أنت الآن تكتب الشعر وتمارس الكتابة النقدية ، هل هذا طموحك في صباك أم كانت لك محاولات مغايرة في الكتابة ؟
حاولت وأنا في الخامس الابتدائي أن أكتب الأغنية والتمثيلية الإذاعية ، كتبت الشعر الشعبي ، حاولت أن أكون رساماً . أذكر مرة ، وقد كنت في الصف السادس الإبتدائي ، أنني عدت من المدرسة فأبصرت الأستاذ وديع خونده وهو يرش أزهار حديقته المنزلية فضغطت على جرس الباب ، وحين أتاني قلت له أن لديّ نصاً غنائياً وأريده أن يلحنه لتغنيه زوجته السيدة مائدة نزهت ، وبعد أن فرغت من كلامي نظر إلي ملياً ثم سألني عن الصف الذي أنا فيه ، ونصحني بالإنصراف إلى دراستي وعدم طرق الباب عليه مرة أخرى .
كنت متفوقاً في المدرسة ، كنت الأول دائماً ، كان درس اللغة العربية أحب الدروس إلي ، وكان دفتر الإنشاء كثيراً ما يقرأ على الصفوف الأخرى ، ولكن ذلك لم يمنعني من التفوق حتى في الدروس العلمية للحصول على الدرجة في الأقل ، أذكر أنني في المتوسطة ، نظمت رموز العناصر الكيميائية شعراً لتيسير حفظها .
ورغم هذا الاهتمام الجاد في الدراسة فقد كنت ، كما أشرت ، كثير المحاولات في مجالات عديدة كنت أحبها .
تفوقي في الدراسة سبب لي قلقاً شديداً وتشتتاً في الاختيارات بعد التخرج من الثانوية ، كنت أظن أنني ، بسبب درجاتي العالية ، قادر على الدخول إلى أي كلية أو فرع ، حتى الآن ما تزال لديّ استمارات التقديم إلى كليات مختلفة منها الكلية العسكرية وكلية الشرطة .
ما أحب الأشياء إلى نفسك ؟
أحب الفصول إليّ فصل الشتاء ، إنه فصل يبعث الهمة في القلب والروح والجسد ، يغري بالعمل والكتابة والقراءة ، أحب فيه المطر وصوت الريح في الليل ، في المطر يكتسب كل شيء معنى جديداً ، تغدو السياقة في  المطر من أكثر الأشياء امتاعاً  ، كل شيء يصبح جديداً وذا معنى إضافي : النوم ، النزهة ، القراءة ، الحب ، السفر ، كتابة الشعر . هل جربت أن تكون بصحبة امرأة تحبها في ليلة عاصفة ممطرة ؟ إنها متعة لا تصدق .
أحب السفر حباً لا حدود له ، وأعشق ما فيه من تفاصيل صغيرة ، اجراءات السفر ، نداء الرحلات ، ضجة المطارات ، تدافع المسافرين ، أضوية المدن في الليالي الممطرة ، محطات السكك الحديدة ، نواح القطارات وهي تجتاز القرى ، والمراعي ، والمرتفعات القاتمة .
في السفر لا يشغلني شيء قدر التجول ، والتعرف على ملامح المدينة التي أنزل فيها ، شوارعها ، ما فيها من متاحف ، أو مكتبات أو معالم مميزة .
أين أنت من الطبيعة والمرأة ؟
أنا شديد الافتتان بالطبيعة ، وأجد بينها وبين المرأة شبهاً مدهشاً ، وكلتاهما ، الطبيعة والمرأة ، تحتل في شعري حيزاً كبيراً .
في الطبيعة مثلاً ، الكثير مما تتصف به المرأة من أنوثة ، فهي : ناعمة ، طرية ، مثيرة ، رشيقة ، مكورة ، وللمرأة كذلك ، الكثير مما تضج به الطبيعة من ملمس ، ورائحة ، ولون ، إن صلة المرأة بالطبيعة ترجع إلى بدء الخليقة . ألم تتعاونا سوية على إغواء آدم ؟
يأسرني في المرأة لا جسدها وحده ، بل كيانها ككل ، لا يبهرني جمالها المجرد ، جمال الدمية . ما يدهشني فيها جمالها الداخلي ، أنوثتها الراقية ، ذكاء الروح والجسد معاً ، ثقافتها التلقائية ، ومرحها الرفيع . جمال المرأة الذكية هو الذي يثيرني ويجتاحني جسداً وعقلاً وعاطفة ، لذلك لا يمكن للأنوثة الحقة والغباء أن يجتمعا في امرأة واحدة .
هل يصح ما يقال عنك بأنك غير مزاجي ؟
بي شغف شديد بالنكتة ، تنتابني لحظات من المرح الشديد ، لحظات أضحك فيها بعمق ، وصخب ، أروي النكتة ، واستمتع بالاستماع إليها ، غير إن مزاجي سريع التحول ، والتقلب إذ يمكن أن تجدني في مزاج مغاير تماماً خلال فترة قصيرة ، كثيراً ما أكون جاداً أو غائماً أو حزيناً ، حينما أكون مشغولاً بكتابة قصيدة أو دراسة جديدة . وهذا الوضع تعرفه عائلتي جيداً ، إن زوجتي وطفلتيّ وصال وخيال يعرفن هذا الجو ، وغالباً ما يتنبأن بقدومه .
ما مباهجك في بيتك ؟
تحمل عني زوجتي عبء العناية بطفلتيّ وتدريسهما ، فهي خريجة آداب لغة عربية ، أجد متعة كبيرة في البقاء في البيت ، فأنا رجل بيتي إلى حدٍ ما ، لا أنفق الكثير من وقتي خارج البيت ، إن قراءة فصل من كتاب أو كتابة مقطع من قصيدة جديدة أجمل لدي من أجمل السهرات وأعمق المباهج الاجتماعية . زوجتي قارئة ممتازة ، أثق كثيراً برأيها ، وصال وخيال طفلتان مدهشتان ، أحب الحديث معهماً جداً ، ذكيتان جميلتان ، متفوقتان في المدرسة دائماً ، ميالتان إلى القراءة ، والاستماع إلى الشعر وحفظه ، تقرآن ما أكتب وتحفظان الكثير منه ، وتتابعان ما ينشر عني في الصحافة ، تناقشان بثقة ، ويعجبني فيهما نطقهما النظيف ، وسعة مفرداتهما قياساً إلى مرحلتهما العمرية ، ترسمان ، وتكتبان نثراً جميلاً وتحبان الموسيقى بجنون .
إن زوجتي وطفلتيّ جزء أساسي من الجو الذي أعيشه ، يحفزنني على الكتابة ، ويناقشن ما أكتب ، ويعرف ذلك معظم أصدقائي الذين أرتبط معهم بعلاقات اجتماعية .
مجلة ألف باء