لا يشبه أحـدا ويتشمم لوعـة التراب 

أجرى الحوار: حميد قاسم …
على جعفر العلاق.. ابن ستينيات القرن الماضي الصخابة، لكنه الواقف ابداً على مسافة من جيلها الشعري بنـزقه وتمرده وعبثه وتشابهه، انه كما أراد: لا يشبه أحداً، ولا يشبهه أحد، يصوغ قصائده بصمت وهدوء ودعة.. وحرقة بالغة..، وتعجب: يشعل الحرائق في كل صفحة من صفحات شعره، برغم كل تلك المياه: الأنهار والأمطار والندى والغيوم والدموع التي تبلل “ديوان العـلاق”.
يحيلني العلاق – منذ معرفتي الأولى به وبعوالمه الشعرية، منذ تلك الملامسة المبهجة لمجموعته ” لا شىء يحدث لا أحد يجىء” التي كانت مسارا مختلفا، وصوتا مغايرا في منجز الشعر الستيني ودعاوى جيله المتنفجة – إلى تلك الحميمية التي تفرد بها وجعلها سمة من سمات شعره التي يعرفها دارسو شعرنا العراقي في مرحلة من أخطر مراحل العراق: سياسة، وثقافة، وحياة اجتماعية، وشعرا.
والآن بعد عقود من معرفتي الأولى به، عقود من الشعر والعذاب الصعب، والمكابدات، والغربة التي جمعتني به جغرافيا بعد أن اقتادني شعره روحيا إلى عوالمه الدافئة إثر إعجاب قديم ومودة واعية تمتد إلى سبعينيات القرن الماضي المبكرة، أجدنى سعيداً حقا، وانا أمتلك الفرصة في أن أطرح على الشاعر بعضا من أسئلتي القديمة، لطالما راودتني، في هذه الوقفة، قريبا من الشعر والوطن، بعيدا عنهما: في مدينة العين حيث يعمل العلاق أستاذاً للنقد والأدب الحديث في جامعة الإمارات.
– بدأت شاعراً يكتب بالعامية، ثم إنتقلت إلى الكتابة بالفصحى، كيف حدث هذا؟ وما الذي بقي من شعر العامة في قصائدك الفصيحة؟
* كانت المفردة العامية بداية اللعبة، لعبتي مع اللغة أو لعبتي مع الشعر، لكنها لم تدم طويلاً، ثلاث سنوات أو أقل، بين الخامس الابتدائي والسنة الأولى من المرحلة المتوسطة. وكان الشاعران مظفر النواب وزاهد محمد أهم شهود تلك البدايات المبكرة. إنها الملامسة الحسية الأولى مع هذا العالم الذي يطفح بالسحر والإيقاع والغموض. لقد زودت هذه التجربة قصائدي اللاحقة بمجسّات إضافية، أتشمم من خلالها لوعة التراب وغيوم الذاكرة، كما أنها جنبت قصائدي الانحدار إلى لغة التجريد أو الصياغات الملساء حيث لا ظل ولا جمر ولا إنحناءات روحية ملتاعة.
– ما الذي جاء بك إلى هذه اللعبة الدامية: الشعر؟
* يبدو أن الطفل، في الريف، يولد على مقربة من الشعر، أكثر من طفل ألمدينة. لقد وجدت نفسي في قرية مائية بامتياز، تتجاور فيها المتناقضات إلى أقصى حد: الطين والضوء، الفقر والغنى، الموت والماء. كنا نجلس إلى هذه المتناقضات جنباً إلى جنب، نصحبها إلى النوم، ونشمّها في غناء الأمهات. كان كل شيئ في تلك القرية البعيدة يحرضني على البوح: غناء الفلاحين في مواسم الحصاد الصافية كالذهب، احتفاؤهم بالموت أو إقبالهم على الحياة، سهرهم الطويل وهم يرافقون الأنهار في تجوالها الليلي، يفتحون جرحاً مائياً هنا، أو يلحمون جرحاً مائياً هناك. كان كل شئ حولي يغنّي أو يبكى، يشكو أو يتأوه. كل شيئ تماماً: الريح والنباتات، الطيور والناس، الخيول والمطر.
– ثمة شفافية وطراوة في قصائدك: في الصورة، وفي تراكيبها البلاغية، من مجاز واستعارة وتشبيه، بل وحتىّ في لغتك الحافلة بمفردات الطبيعة. ثمة مياهٌ عميقة وقصيدة مبلّلة، لماذا؟
* يرتبط سؤالك هذا بالأجواء التي تحدثت عنها تواً، والتي تمثل أكثر جوانب الطبيعة شاعرية، أو هي فائض الشعر في الطبيعة وقد أخذ أشكالاً متباينة. كان الشاعر الانكليزي تيدهيوز يجد في حيوانات البراري الكثير من مادته الخام. إن البرية، بكل ما فيها من بدائية حارة، تمثل ذخيرة رمزية لانهاية لها، كما أن تفاصيل هذه الطبيعة من أشياء، وموجودات، وكائنات، وبشر، وشعائر يمكن أن تتفجر، بين يدي الشاعر المقتدر، عن غنائية تراجيدية ثرة.
– برغم أن الشعر منجز إبداعي فردي إلا أن هناك إصراراً نقدياً عراقياً على “تجييل” الشعراء وتنميطهم. هل ترى أن شيئاً ما أفادك بالمصادفة إذ جئت بين جيلين، فلم تحسب على أحدهما. أم أن هذا الأمر لم يخدمك في مجال القراءة النقدية لتجربتك؟
* لقد كنت من جيل الستينيات ولم أكن منه في اللحظة نفسها. كنت أنمو بعيداً عنه ولكني في المناخ ذاته، أحنو على قصيدتي بطريقتي الخاصة، خالصاً مما علق بسلوك بعض الستينين أو نصوصهم من فظاظة أو ادعاءات يحاولون بها تغطية ما يشتمل عليه بعضهم من قصور في اللغة أو الموهبة. كانت ريح ما، خجولة وهادئة، تدفع بشراعي الوحيد في عمق النهر دون أن ألتفت إلى اليابسة التي كانت تعج بالضجيج. لذلك يمكنني القول أنني إلتحقت بهذا الجيل متأخراً إلى حد ما. ودون تواضع كاذب لقد جئت بعدة مكتملة تقريباً، وقدمت نماذج شعرية لافتة سواء على مستوى النص العمودي أو على مستوى القصيدة الحديثة بعد ذلك. غير أن المشكلة كانت تقع في مكان آخر. كان معظم نقاد تلك المرحلة موزعين على قبائل سياسية وإيدلوجية متطاحنة. كل قبيلة فرحة بحصتها من الشعراء: تنفخ في نيرانهم الخاملة أو تجعل من الموهوبين منهم شعرا استثنائيين.
– ما تأثير ذلك على تجربتك الشعرية؟
* كنت من ضحايا تلك القبائل النقدية المهووسة بانتماءات الشعراء وألوان دمائهم. ويمكنك، إذا شئت، أن تضيف ياسين طه حافظ وفوزي كريم وعبد الرحمن طهمازي، مع أن لكل واحد منهم تقريباً بقية من رائحة انتماء قديم.
بعد ذلك شهدنا مرحلة أشد ضراوة؛  وسرعان ما وجد معظم نقادنا، آنذاك، أن مصلحتهم أو أمنهم الشخصي أو بقاءهم على قيد الكتابة مرهون بهذا الشاعر، المتعدد الصفات لا بذلك الشاعر ألمهمش الذي يضئ في السر وينمو في العزلة.
– هل كانت السياسة وحدها قادرة على إلحاق هذا الأذى ببعض الممارسات النقدية آنذاك؟
 لكي أكون دقيقا عليَ أن أشير الى سببين آخرين ليسا معزولين عن المناخ العام الذي أشرت اليه قبل قليل، أولهما: العلاقات القائمة على الشللية وتبادل المنافع، والتي كانت أساسا أو حافزا للكثير من الوجبات النقدية السريعة او الدسمة أحيانا. وما يعرفه الكثيرون عني أنني لم أكن ميالا الى تلك العلاقات المغشوشة، ولم أكن جزءا منها أو فادرا عليها أصلا.
أما ثانيا، فقد كان بعض نقادنا مصابين ببرود جمالي واضح. أي أنهم، في الغالب، لا يجسدون مخيلة الناقد اليقظ، والمعد إعدادا جماليا وتقنيا عاليا: أعني الناقد الذي تستفزه إيماءات النص ومفاتنه، و يمكنه الارتفاع باستجابته الى مستوى إجرائي حميم ومتماسك. كان الانتباه يتم أحيانا الى شعراء من مستويات عادية حيث ينهمك بعض النقاد في التفتيش لهم عن فضائل شعرية متوهمة. في الوقت ذاته كانت هناك أصوات شعرية حقيقية ظلت بعيدة عن الضوء، رغم ما تمتلكه من لغة خاصة، ومناخات مميزة، ونبرة شخصية وسط ضجيج شعري كانت الأصوات المتشابهة تتعالى فيه كاصوات الباعة. لا شك في ان النقد العراقي قد شهد أسماء مرموقة، ومع ذلك فقد شهد أسماء لنقاد من نمط أخر: مغرضين، أو جهلة، أو منتفعين.
إن شاعرين مهمين كياسين طه حافظ وعبد الرحمن طهمازي مثلا لم يحظيا بحفاوة نقدية يستحقانها حتى الآن. لقد كانت تلك الحقبة ملتبسة الى حد كبير، وقد أخذ النقد حصته من ذلك الالتباس، وكان له ضحاياه في أحيان كثيرة، و لا عجب في ذلك: أما قيل ان النقد أكثر أنماط الكتابة احتمالا لسوء النية؟
– بعد هذه التجربة الطويلة والغنية، هل ترى أن الشعر ” نوع” من الأنواع الأدبية، أم أنه منجز إبداعي أكثر عمقاً وسعة وغنى؟
* لقد تعرضت كل الأجناس أو الأنواع الأدبية إلى سلسلة من الهزات أخرجت كلاً منها من عزلته، وجعلت الاقتراض الإسلوبي والبنيوي من أهم ملامح العلاقات بينها. وما يزال الشعر، هذا الفن القديم قدم الشتاء، مفتوحاً على الممكنات جميعاً. لقد بلغ إكتماله القاسي عبر التاريخ مرات عديدة، فلابد له من أن يتمرد على شراسة هذا النضج وصلابته. لابد له من أن ينفتح على كل فضاء يُغنيه، على مكونات لا عهد له بها سابقاً: بصرية، وإيقاعيه، ولسانيه، وبنائية، حتى تصبح القصيدة كلاً شعرياً مترابطاً ومتعدد الروافد: الفلم، اللوحة، السرد، إستدعاء النصوص، تفتيت المرجع، تغييب الذات، دون أن يغيب نشاطها الحي.
– أنت شاعر وناقد، على ما بين هاتين الملكتين من تعارض. كيف احتفظت بتوازنك وسط هذا التضاد؟
* لاشك أنه جوار مغلق. ملَكتان تنبثقان من تربة واحدة لكنهما تتجهان اتجاهين متضادين، ويعمل كل منهما في أفق مغاير: متوالية من التناقضات، الحلم واليقظة، الحرية والانضباط، لذة الفوضى وضغوط المنهج. لقد كنت حريصاً على أن أتجنب نتيجتين مخيفتين تعرّض لهما معظم من جمع بين كتابة الشعري وكتابة النقد: تجنبت أن يكون النقد الذي اكتبه سائباً أو تهويمياً دون شواهد نصّية، أو أن يتحول شعري إلى لغة ذابلة حيث لا حلم ولا مجازفات أسلوبية تفاجئ ثوابت التلقي وعاداته.
– حين ينغمر في كتابة قصيدته، لمن يصغى الشاعر على جعفر العلاق؟ للناقد الذي يحاور الشاعر فيه أم للقارئ الذي ينتظر قصيدته؟
* أكاد أزعم أنّ لديّ القدرة على الفصل بين هاتين اللحظتين الجامحتين؛ فأنا في كتابة الشعر أغرق في حلم غائم؛ ضائعا وثملاً ووحيداً: ليس إلا رائحة اللغة، ليس إلا أشكال المعنى وهي تهب عليّ من شقوق الروح. لحظتها أنسى النقد، وعياً وممارسة، ليتحول إلى ذكرى قلقة: أقطع عنها مصدر الضوء فتعتم تماماً.
– ما الذي تريده من الشعر؟
* لا أدرى على وجه الدقة. لكن ما أعرفه جيداً إنني لا أستطيع العيش بدونه. أحس، حين أكون بعيداً عنه، بأنني موشك على الهلاك. شيء مخيف يدب في الروح والجسد معاً: الخلو من المعنى، الافتقار إلى التجانس، الخراب الذي يفتك بالناس والحجارة.
– لك آراؤك الطليعية، وموقفك النقدي الذي يحتفل بالتجاوز والتجديد، غير أنك – في كتابة الشعر – مازلت مخلصاً لقصيدة التفعيلة، كما أن قصائدك تحتفي أيما إحتفاء بالموسيقى والإيقاع، كيف تفسر هذا الأمر؟
* دعنى أبدأ معك من نهاية السؤال، إن قصيدة النثر شكل شعري يشترط الموهبة في أقصى مدياتها. أما واقع الحال فقد حوّل الكثير من نماذجها إلى شعر سالب، شعر الافتقار إلى ما يجعل من الكلام العادي شعراً حقيقياً. إنّ معظم نماذجها الآن ممكنات شعرية، شعر مؤجل، أو شعر بالقوة، إذا شئت. شعراء النثر لدينا قليلون. وهذه الجموع الغفيرة التي تراها لا تكتب إلا نثراً عادياً أو نثراً جميلا في أحسن الفروض. كانت سوزان برنار ترجع ما في قصيدة النثر من حيوية إلى إتحاد قوتين متناقضتين؛ الفوضى، والتنظيم. ويبدو لي أن الفوضى فقط هي ما يزدهم في الكتابات النثرية هذه الأيام، أما قوة التنظيم فلا يمتلك زمامها إلا الموهوبون من شعراء النثر فقط.
يظل الإيقاع مكوناً شعرياً مهماً.. إنه جزء حي من بناء الدلالة وتأجيج السحر، أو تكوين الكل الشعري في القصيدة. من قال إن الإيقاع سُبّة وإن الوزن الشعري من الكبائر؟ إن شعرنا العربي الحديث لم يعرف شاعراً مهموماً بالإيقاع مثل محمود درويش مثلا، كما أن أدونيس لم يكن شاعراً كبيراً إلا بشعره الموزون. قد يتحول الإيقاع، أحياناً، إلى عائق يفصل الدلالة عن شكلها الحسي، لكن ذلك لا يحدث بسبب الإيقاع في حد ذاته، بل لسبب آخر: عجز الشاعر عن استثمار هذا المكوّن الشعري وإطلاق طاقاته.
– ثمة حزن طافح في شعرك.، أتجد أن الحزن هو ما يمضي بالشعر إلى إكتساب أهميته وبقائه أم أن شعرك، كما يقول محمد شكري، شعر فوق الفرح والكآبه، وأن الفرح كآبة، والكآبة فرح في شعرك؟
* لدى إحساس، يرقى إلى اليقين، بأن الشعر ابن الفقدان وقرين الخسارات المريرة. إن سعادة الحياة اليومية تعجز عن أن تكون محرضاً عميقاً على الكتابة؛ فالفرح أو الارتواء من الحياة لا يصنع حالة شعرية إلا بعد أن يتحول إلى ذكرى. كان شعراؤنا القدامى يكتبون عن طلل الحبيبة لا عن بيتها، لأن الطلل ذكرى جسد غائب أو بهجة منقضية، أما البيت فهو الحضور: حضور المتعة والاستغراق فيها. ولو اسقطنا موت أنكيدو أو البحث الخائب عن عشبة الخلود أيظل من ملحمة كلكاش وسحرها العصيّ على الوصف شيء يعتد به؟
– تعنى قصيدتك باللغة عناية خاصة. ما هي عناصر لعبتك الشعرية؟
* كنت، ومنذ بداياتي الأولى، مأخوذاً بالمجاز، وشديد النفور من التفاصيل. كنت أسعى إلى جملة شعرية لا تتجه إلى معناها في خط مستقيم، وإلى لغة مقتصدة، متخفية وكثيرة المفاجآت، وأحاول أن تكون قصيدتي ليلية إلى أقصى حد: لا مناطق قاحلة، ولا نهار يهتك السر، فالشعر كائن ليلي على الدوام: يوحي بالرهبة الجليلة وينمّي الهاجس. إن الكثير من شعرنا هذه الأيام يغرق في باروكات لغوية فائضة عن الحاجة. أو نصوص شفافة، بالمعنى الهجائي الذي يذهب إليه تودوروف، حين تشفّ القصيدة عن هيكلها العظمي لافتقارها إلى التركيز وكثافة اللغة.
– يُلاحظ أن التراث حاضر في نصوصك الشعرية بشكل كبير. ما الدافع إلى ذلك؟
* أعتقد أن النص الشعري يفيض عن الراهن، ويؤكد إرتباطه دائماً بلحظات موغلة في القدم ومتباعدة في المكان. ويحدث هذا على مستويات عديدة: لسانية وجمالية وثقافية. وأنا أعتقد، مع إليوت، أن الشاعر الحق هو الذي نشمّ في عظامه رائحة الأسلاف. وشعرنا الحديث ليس إنقطاعاً عن التراث ولا هجاء له. لذلك فإن قصيدتي كثيراً ما تشتبك مع هذا التراث باحثة، عبر طبقاته الإسطورية والدينية والشعرية، عن شرارة المعنى أو مكونات التشكيل.
– منذ فترة وأنت تنشر فصولاً من سيرتك الذاتية. هل هي سيرة لجيل الستينات أيضاً؟
* ليست عن جيل الستينات لكنها ليست بعيدة عنه. إنها ببساطة كتابة إستعادية لتكويني الإنساني والشعري والثقافي منذ بداياتي وحتى الآن، بلغة غنائية نضاحة بالطفولة والعذاب معاً. وهي شهادة موجعة كالعويل، دون غرور أو ادعاءات، لشاعر تعلق بفضيلة لم تعد رائجة في تلك الأيام: عفة القلب ونظافة اللغة. شاعر ابتلي بداء الصدق وبالغ فيه في زمن لا يحفل إلا بالأكاذيب الكبرى وصنّاعها. إنها سيرتي الذاتية لكنها تنفتح على المشهد الثقافي والسياسي أيضاً، حين أجد أن هذه التراجيديا الشخصية لا تكتمل إلا بهما. لقد صورت فيها تلك البيئة الثقافية، في أحلامها الكبرى ثم في انكسارها المخيف، وتحدثت عما شهدته من صداقات مغشوشة ونذالات يصعب تصديقها، عن مبدعين ماتوا كمداً، وآخرين كانوا يتصرفون كالحيتان. أما جيل الستينات فقد حظى بكتابات كثيرة لشعراء مثل عبد القادر الجنابي، سامي مهدي، فاضل العزاوي، وأخيراً، فوزي كريم.
– يؤشر الناقد حاتم الصكر إنتقالك من عالم الطبيعة إلى الأسئلة الكونية ذات المرجع الميتافيزيقي، كيف جاءت هذه الانتقالة؟
* العبور من عالم الطبيعية إلى سؤال الكون حتّمه عذاب فردي وجماعي لم تعد القصيدة قادرة على تجسيده أو سرده، كان أكبر من اللغة وأقسى من طاقتها على التحمل. لم يكن أمام الشاعر، إذن، إلا أن يواجه تلك السماء المكفهرة، بذلك الوابل من أسئلته المهلكة. وقد شكلت هذه الأسئلة واحدة من أهم البنى الدلالية والأسلوبية لقصائدي منذ (أيام آدم 1993) و (ممالك ضائعة 1999) وما تلاهما من قصائد ستظهر قريباً في مجموعة جديدة.